الرئيسية / أخبار صور / خِطـبَةُ الجُمُعةِ [الحَقُّ؛.. وَ الـبَاطِلُ] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية مدينة صور]

خِطـبَةُ الجُمُعةِ [الحَقُّ؛.. وَ الـبَاطِلُ] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية مدينة صور]

” ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ”
الحق ما أمر الله به، والباطل ما نهى الله عنه، فأحدهما ضدّ الآخر، وقد بدأ الصراع بين الحق والباطل منذ أن خلق الله سبحانه آدم في الجنّة، وأمر ابليس أن يسجد له، فرفض ابليس أمرَ الله، فأخرجه من الجنّة، وجعل يكيد لآدم، حتى أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، فأنزله إلى الأرض، وهنا بدأ الصراع بين آدم وابليس في دار الدنيا، وصار ابليس يُزيّن لأبناء آدم الأمور، وكانت أولى فتن ابليس أن جعل قابيل يُقدم على قتل أخيه هابيل، فكان أول انتصار لابليس على وُلدِ آدم، وفي أول ميدان للصراع بين الحق والباطل، فنفس الإنسان هي المرتع الأول والأساس لابليس، هذه النفس إمّا أن تكون صديقة لصاحبها، أو عدوّة، من هنا يبدأ الصراع بين الإنسان ونفسه، قال تعالى ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ” وقال ” إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا “، فمن تغلّب على هواه وانتصر على نفسه وسلك طريق الخير؛ فيكون من أهل الحق والدعاة إلى الله سبحانه، أمّا من غلبه هواه وسلك طريق الشر؛ فيكون من أهل الباطل ومن جنود الشيطان، فإذن؛ هناك حزبان؛ حزب الرحمن، وحزب الشيطان، وهنا معركة الصراع، كلٌّ يعمل للانتصار لنهجه وخطّه، فثمّة مجتمعات قامت على الباطل، وأخرى على الحق، وقد كان الله لطيفاً بعباده، فكان يؤيّد أهل الحق بأنبياء وأولياء يقودون الصراع ضدّ أهل الباطل، فهذا نبي الله نوح (ع) لبث في قومه ألف سنةٍ إلاّ خمسين، يدعوهم إلى الله واتباع الحق وترك عبادة الأصنام وطريق الباطل؛ فخالفوه وعارضوه واستهزأوا به وبدعوته؛ فأهلكهم الله تعالى بطوفانٍ لم ينجُ منه إلاّ مَنْ ركب مع نوح (ع) من المؤمنين في السفينة، ثم تكاثر الناس وصاروا أمماً، واغتروا بالدنيا وسلكوا طريق الشرّ والباطل، واتبعوا الشيطان؛ فبعث الله نبيّه إبراهيم الخليل (ع)، ليُعرّفهم أنّ هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر، وأنّ الله هو الخالق، وهو الذي ينفع ويضر، فكسّر أصنامهم وسفّه أحلامهم، فجمعوا الحطب وأشعلوا النار ورموا إبراهيم (ع) فيها بالمنجنيق، فجعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم، ومن بعد إبراهيم بعث الله إسحاق ويعقوب وإسماعيل مبشّرين ومنذرين، واستمر الصراع بين أهل الحق وبين أهل الباطل، وكان طغيان فرعون وادعاؤه الربوبية، فبعث الله موسى وأخاه هارون، ثم نبي الله عيسى في بني إسرائيل، الذين حرّفوا الكتاب، وبدّلوا أحكام الله، حتى عزم بنو إسرائيل على قتل نبي الله عيسى وصلبه، فرفعه الله، واستمر الصّراع بين أتباعه ومخالفيه، وبين مَنْ يؤمن بالله ومَنْ يعبد الأصنام، فكان الموقف بين عبد المُطلّب جد النبي محمد (ص) وبين إبرهة، إذ استعان عبد المطّلب بربّه على إبرهة وجيشه، الذي كان يسعى لهدم أوّل بيتٍ وُضِعَ للناس، فاستجاب الله لعبد المُطّلب وأرسل طيراً أبابيل رمت جيش إبرهة بحجارةٍ من سجّيل، فهلك جيش إبرهة وبقي بيت الله قائماً، ولأنّ الصراع مستمر أرسل الله خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله بن عبد المُطّلب (ص)، فحطّم الأصنام وطهّر الكعبة من رجس الأصنام، وانتشر دين الله في الجزيرة العربية، وأسقط الله على يديه (ص) أعظم دولتين في عصره [الروم، والفرس]، وغادر رسول الله (ص) هذه الدنيا وهو يأمر المسلمين بما يحفظ وحدتهم، ويمنع اختلافهم، ويضمن قوّتهم، وكان آخر ما رسمه لهم ما عُرف بحديث الثقلين .
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . وبهذا اللفظ وأمثاله ورد الحديث في عدّة مواطن؛ كمسجد الخيف، وفي خطبة حجة الوداع في غدير خم، وكرّره رسول الله (ص) وهو على فراش الموت، وفي بعضها – كما في الطبراني –: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلمُ منكم . وقال ابن حجر [في كتابه الصواعق المُحرقة/ باب وصيّة النبي (ص) بهم /ص135] في تعليقه على هذه الفقرة من الحديث: إنّها دليل على أنّ مَنْ تأهّل منهم للمراتب العَلِيّة والوظائف الدينيّة كان مُقدّماً على غيره .
ونقول لمن قالوا: إنّ النبي (ص) قال كتاب الله وسُنّتي – مع أنّه حديث ضعّفه كثيرٌ من علماء السّنّة – أليس في سُنّة النبي (ص) قوله: عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ .؟ وقوله (ص): أهل بيتي كسفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى .؟ إلى المئات من الروايات التي تتحدّث عن مكانة عليّ (ع) وأهل البيت (ع) وفضلهم؟ وكلّها تُلزم المسلمين بالتسليم لأهل البيت (ع)، وأنّ الرّاد عليهم رادّ على الله سبحانه، مع تسليم علماء المسلمين بأعلميّة وأفضليّة أئمة أهل البيت (ع)، وتقدّمهم على جميع المسلمين، وما تقديم غيرهم عليهم – حتى ولو كانوا ثقاة – تقديمٌ للمفضول على الفاضل، وهذا قبيح في نظر العقلاء، ولو أنّ المسلمين لم يتخلّوا عن العترة، والتزموا بتعاليمهم، وحكّموهم في شؤونهم؛ لمّا حصل خلاف، ولا كان هناك من صراع، لكنّ أهل الأهواء، وضعاف الإيمان، ومَنْ أبطنوا الكفر، وملأ قلبهم حبّ الدنيا، فبمجرّد أن ارتفعت روح رسول الله (ص) إلى جوار ربّها، تجاهلوا أهل البيت (ع)، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وصاحب الحق علي (ع) مشغول بتجهيز رسول الله (ص)، واستأثروا بالأمر، وهم يعلمون أنّه لا يصلح للأمر إلاّ عليّ، قال أمير المؤمنين (ع) في خطبته الشقشقيّة: أمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قحافه وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى … وختم خطبته وهو يتحدّث عن أصحاب تلك المرحلة؛ قائلاً: كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا”، بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكن حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها .
حبّ الدنيا – الذي يقول عنه أمير المؤمنين (ع) – هو رأس كل خطيئة – حال بينهم وبين الموقف الحق، فحبّ الدنيا مرضٌ يُعمي بصائر من ابتُلي به، ويشدّه نحو ما يشتهي ويُحب، ويحجب عنه رؤية ما بعد الدنيا، وقد قال (ع): الدنيا مُنتهى بصر الأعمى، لا يُبصر مما وراءها شيئاً . والبصير ينفذها بصره، ويعلم أنّ الدار وراءها، فأهل الدنيا يعملون للدنيا، وأهل الآخرة يعملون للآخرة، والله سبحانه توعّد أهل الدنيا بالنار، ووعد أهل الآخرة بالجنة، وحذّر أهل الدنيا من الشيطان وعدوانه، فإنْ أراد الإنسان الدنيا؛ يُعطيه الله منها، وليس له في الآخرة من نصيب، ويخرج من الدنيا وما شبع منها، وما قنع بما حصل عليه منها، يقول أمير المؤمنين (ع): طالب الدنيا كشارب ماء البحر؛ كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً .
أما المؤمن فلا يسعى للدنيا؛ لأنّه يراها دار ممر، ودار تزوّد لليوم الآخر، لا يمدّ يده إلاّ إلى الرزق الحلال، ويجهد لأن يبقى على الصراط المُستقيم، الذي يوصله إلى مرضاة الله والجنة، ويحيد به عن غضب الله وحهنّم ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ” فيحرص أن لا يصدر منه إلاّ الخير، ويبتعد عن مواطن الشر، ويستعظم الذنب، فلا يرتكبه مهما كان صغيراً، فإنّ أمير المُتّقين (ع) قال: أشدّ الذنوب ما استصغره صاحبه . فالمؤمن يجد كل أمرٍ سهلاً إن كان فيه رضا الله، فكلّ نعيمٍ دون الجنّة محقور، فيُقدّم نفسه وماله ومواقفه لله سبحانه، ويرى بأنّ الله سيعوّض عليه ما لا يُدركه عقل أو يخطر على بالِ بشر، والمؤمن لا يُثنيه عن نصرة الحق أي تهديد أو وعيد من قِبَلِ المخلوقين، لأنّ كلّ بلاءٍ دون النار عافية، فلا يستوحش طريق الحق وإن قلّ سالكوه، ويرى كلّ شيءٍ في رضا الله سبحانه جميلاً، وهذا ما ردّت به بطلة كربلاء [الحوراء زينب (ع)] على ابن زياد حين أراد إذلالها، حينما قال لها – وقد وضع رأس سيّد شباب أهل الجنّة (ع) بين يديه –: كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ وأهل بيتكِ؟ فقالت (ع): ما رأيتُ إلاّ جميلاً؛ هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة .
لقد سعى بنو أميّة لإطفاء نور الحق المتمثّل بالعترة الطاهرة، وعملوا جاهدين؛ فصرعهم الحق، لأنّ من صارع الحقّ صرعه، قال أبو عبد الله (ع): ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلا غلب الحق الباطل وذلك قوله عز وجل ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ” .
إنّ الحق لا يُهزم، وهذا الصراع سوف يستمر حتى يُظهر الله دينه على الخلق كلّه، فيأذنُ لوليّه بالفرج الأكبر، وهو اليوم المعلوم الذي يُهزم فيه ابليس وجُنده، فابليس أراد الصراع إلى يوم يبعثون، لكنّ الله سبحانه لم يُعطِهِ ذلك ” قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ” .
لقد حفظ أئمة أهل البيت (ع) الحق، ولم يتمكّنْ أهلُ الباطل من إطفاء نور الحق، واستمر أتباع أهل بيت النبوة (ع) في حمل شعلة الحق وهم ينتظرون إمامهم (عج)، الذي أوكل إلى علمائهم رعاية الأمة وشؤون الدين وحمل راية الحق، وكانت عاشوراء الملهم الأكبر، واستطاع الإمام الخميني (رض) أن يهزم بالحق طاغوت زمانه، وقال: إنّ كلّ ما عندنا هو من عاشوراء . وفي جبل عامل ثبت المجاهدون، وسلاحهم الأدق هو إيمانهم بالحق، فكانوا مؤمنين حسينيين – كما وجّههم قائدهم الإمام السيد موسى الصدر –، فراية الحق التي رفعها الإمام الحسين (ع) لا زالت في أيدي المجاهدين الذين أسقطوا مشاريع الشيطان الأكبر، وحتماً سيجتثّون الغدة السرطانية التي شارفت على نهايتها، فيُريحون العباد والبلاد من الشرّ المُطلق، فإن كان للباطل صولة فإنّ للحقّ صولات وجولات، وللحق دولة تُنهي دور ابليس وأعوانه، ” وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ “، أمّا جُندُ الله سبحانه وأولياؤه فبشراهم بالجنة والرضوان ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ” .
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]

تصوير:رامي أمين

شاهد أيضاً

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم