«في الخمسينيات، أعنّا بعضنا البعض
في الستينيّات، أدنّا بعضنا البعض
في السبعينيات، شكّكنا ببعضنا البعض
وفي الثمانينيّات، سرقنا بعضنا البعض»
قصيدة سجعية من ريف اقليم شانتشي (في كتاب هِنتون «الانقلاب العظيم»)
«اعمل بجدٍّ واكدح لعقود،
ثمّ عُد، في ليلةٍ واحدة، الى زمن ما قبل التحرير»
مقولة شعبية صينية (في كتاب جوون تشو «من الكومونة الى الرأسمالية»)
قد يكون قرار الحكومة الصينيّة عام 1980، بالإعلان عن تفكيك الملكيات الجماعية في الرّيف الزراعي، أضخم حدثٍ شهدته البشريّة في تاريخها القريب. لم يحصل من قبل إعادة توزيع للأرض والملكيات على هذا المستوى في التّاريخ، وبهذه السرعة الفائقة، بحيث كانت كلّ الأرض الزراعية في الصّين تقريباً، خلال أقل من عامين، قد قسّمت الى ملكيات صغيرة عائليّة، متبوعةً بقوانين قامت ــــ فعلياً ــــ بتخصيص الرّيف الصيني وتحويله الى ما يشبه السّوق الحرّة. لا تغيير أو ثورة في العقود الأخيرة (بما في ذلك سقوط الاتحاد السوفياتي) أثّرت بهذا الشكل المباشر على حياة هذا العدد من الناس ــــ بمئات الملايين ــــ وقلبت حياتهم بشكلٍ جذريّ.
فكرة «الإصلاح» الزراعي كانت بسيطة (يسمّيها ويليام هِنتون «أعطِ ما لقيصر لقيصر، والباقي لي»). منذ الخمسينيات، كان الانتاج الزراعي في الصّين جماعيّاً: الملكيّة مشتركة للحقول والمشاغل وأدوات الانتاج، وينتظم المزارعون في «فرق عمل» شبه مستقلّة تقوم بمهام محدّدة، زراعة حقلٍ ما أو تشغيل مركز صيانة مثلاً؛ وهي تنضوي تحت «ألوية انتاج» على مستوى القرية، وفوقها «كومونة» محليّة تضمّ عدّة «ألوية انتاج» وتقدر على التنسيق بينها وتنظيم مشاريع ذات حجمٍ أكبر ــــ والجميع ينال راتباً بحسب العمل الذي يبذله خلال السّنة (ولكلّ وظيفة عدد محدّد من «نقاط العمل»، وهناك موظّف مختصّ في كلّ وحدة انتاج عمله احصاء وتسجيل «نقاط العمل» لزملائه). تمّ تفكيك هذه البنية بأكملها، ودفعت السلطة المركزيّة لحلّ كلّ التنظيمات الجماعيّة، وتوزيع الأرض بشكلٍ فرديّ، يُحتسب لكلّ فردٍ في القرية حصّةٌ من الأرض، وتُعطى هذه المساحة له ليزرعها وفق عقدٍ مع الحكومة المحليّة، في ما سمّي «نظام المسؤولية العائلية».
الواجبات والحقوق هنا واضحة: على المزارع أن يدفع ضريبةً سنويّة للسلطات المحليّة، وأن يسلّم حصّةً من انتاجه للدولة بالسعر الرسمي المنخفض (وهي «كوتا» بسيطة، لا تتجاوز خُمس الانتاج أو أقلّ في حالة مزارعٍ كفوء)، وهو حرٌّ بأن يفعل ما يشاء بباقي انتاجه ووقته، وأن يبيعه لأيٍّ كان وبأيّ سعر. بل أصبح في وسعه ايضاً أن يشتري جرّاراً مثلاً ويؤجّره لجيرانه، أو يؤسس شركة لتربية الأبقار، أو يعمل في النّقل والتّجارة، أو يستأجر مساحات اضافيّة من الأرض ويستخدم عمّالاً لحسابه، بعد أن كانت كلّ هذه النشاطات ــــ قبل أشهر قليلة ــــ حكراً على القطاع الجماعي («أشرط بالسكّين بضربةٍ واحدة» كان أحد الشعارات الشهيرة في مرحلة دِنغ تشياوبِنغ).
في وقتها، تمّ تقديم الإصلاحات على أنّها نجاحٌ مبهر. بحسب القادة الصينيّين يومها، أنتج التخصيص مباشرةً ارتفاعاً في دخل الفلاحين والانتاجيّة، ازدهرت أريافٌ كانت فقيرة معدمة فأصبحت تعجّ بالنشاط والمزارعين الناجحين، الفلّاحون أنفسهم ــــ تقول السرديّة الرسمية ــــ كانوا متلهّفين لتسييل الملكيات الجماعيّة والاستقلال بدخلهم، وقد قاموا بتفكيكها بأنفسهم وبحماسة. وقد أدّى ذلك كلّه الى محصولٍ قياسيٍّ من الحبوب لعام 1984 تجاوز الـ400 مليون طنّ. أحد أشهر الاقتصاديين الصينيّين المعاصرين، جستِن لين (ولد في تايوان، ثمّ انشق الى الصين الشعبية عام 1979، ثم درس الاقتصاد في جامعة شيكاغو وعاد الى بيجينغ ليصبح أحد أبرز الخبراء المدافعين عن النهج النيوليبرالي في الصين) قدّم دراسةً مرجعيّة ليثبت سرديّة فريق دنغ عن الإصلاحات، يزعم فيها بأنّ التخصيص وحده كان مسؤولاً عن زيادة الانتاج الزراعي في البلد بنحو عشرين في المئة. يقول الباحث الصيني جوون تشو إنّه، خلال طفولته في المدارس الصينيّة، أخذ هذه الأمور كلّها على أنّها بديهيّة، وكتاب التّاريخ في المدارس يريك دوماً صورةً للفلاح الصيني وهو يرقص جذلاً في حقله بعد تفكيك الملكيات الجماعيّة، والشّمس تسطع. التجميع كان سيّئاً، «نظام المسؤولية» كان هبةً للفلّاحين.
يكتب تشو أنّه لم يشكّك في هذه السرديّة الى أن بدأ دراساته العليا في الاقتصاد، وراجع الأرقام والنتائج بعد ما يقارب الأربعين عاماً على «الانقلاب العظيم»، وقرأ كتباًً نقديّة كانت تسير ــــ أيّام الانفتاح ــــ عكس التيّار، ثمّ ذهب بنفسه الى قريته الأمّ وقرى زراعيّة أخرى وتحدّث الى النّاس الذين عاصروا هذه الأحداث والذين تتكلّم الرواية الرسمية باسمهم. اطروحة تشو تحوّلت الى كتاب («من الكومونة الى الرأسمالية: كيف خسر مزارعو الصّين الزراعة الجماعية واكتسبوا الفقر المديني»، منشورات جامعة نيويورك، 2018) هي جزءٌ من عددٍ متراكمٍ من الدراسات التي تصدر في السنوات الأخيرة لتعيد الاعتبار الى المسألة الزراعية في الصّين وتحاول تأريخ ما حصل في العقود الماضية، وصنع «الصين الجديدة» الصاعدة التي نعرفها اليوم.
مراجعة التاريخ
قد يكون من المفيد أن نناقش المسألة الزراعية في الصّين، أساساً، عبر نصّين من زمنين مختلفين. الأوّل هو كتاب ويليام هِنتون الشهير عن تحوّلات الريف الصّيني («الانقلاب العظيم: تخصيص الصّين، 1978-1989»، منشورات مونثلي ريفيو، 1990)؛ والكتاب هو مجموعة نصوصٍ كتبها هِنتون على طول مرحلة التخصيص، تبدأ بزيارةٍ لـ«لواء انتاج» ناجح في الرّيف عام 1978 وتنتهي بمجزرة تيانانمين عام 1989.
لا أحد خارج الصّين مؤهّلٌ للكلام عن الموضوع أكثر من هِنتون، الذي عاش سنوات طويلة في البلد وعمل في مختلف أقاليمه الريفية بصفة باحثٍ وخبيرٍ زراعيّ ومستشار لمنظّمات دولية وللحكومة. جال هِنتون وعمل في طول الصين وعرضها، من السّهوب الشماليّة الرعويّة (حيث كان يشرف على برنامجٍ للحفاظ على المراعي من التصحّر) الى مشروعٍ للمكننة في قريةٍ في الشمال الشرقي، هذا عدا عن الكتاب الشهير الذي أصدره الباحث عن معاينته لبلدةٍ صينيّة خلال تقلّبات الثورة الثقافية.
المثير في كتاب هِنتون، عدا عن حججه العامّة، هو أنّك تلحظ تبدّل موقفه من الإصلاحات مع مرور الزّمن. في الكتابات الأولى، تجده يعارض سياسات التفكيك بشدّة وحزم، معتبراً أنّ تفتيت الملكيّة الزراعية سيؤدّي حكماً الى منع المكننة وتطوير أساليب الزراعة (قال هنتون إنّ دموعه انهمرت وهو يراقب من نافذة الطّائرة الحقول السهلية تحته، وهي كانت تتخصّص في انتاج الحبوب وتبدو كمربّعات كبيرة متناسقة، وقد أصبحت أشبه بحبائل النودل: قطعٌ بالغة الصّغر ورفيعة ومستطيلة كالشرائط، وكلٌّ له لونه ونسقه المختلف، «كأنّها لوحة فوضوية»). ثمّ تجد الكاتب، مع تكاثر التقارير عن نجاح الاصلاحات يبدأ باللين وتغيير موقفه، فيزور قريةً في جنوب الصين كانت بالغة الفقر تحت نظام التجميع واختلف حالها في ما بعد؛ ويقابل فيها فلّاحاً ازدهرت أحواله بعد التخصيص واشترى بيتاً من طابقين يعلوهما القرميد بعد أن كان ــــ حرفيّاً ــــ شحّاذاً في الماضي، يخرج هو والآلاف من ابناء منطقته، حين يكون الموسم سيئاً، الى جوانب الطريق السريع لتسوّل الطعام والمال من العابرين. أمّا بعد انتصاف الثمانينيات، وحين بدأ النظام الجديد بالجمود وظهرت مشاكله، فقد عادت النبرة المتشائمة الى تحليل هِنتون، وقد تأكّد بأن «نظام المسؤولية» ليس مجرّد «تجريبٍ ضمن النظام الاشتراكي»، كما قدّمه الحاكمون في البداية، بل هو بمثابة تفكيكٍ للاشتراكيّة وعبورٍ بالبلد الى «الطريق الرأسمالي». ومع أحداث تيانانمين، يجزم هِنتون بأن النظام الصيني لم يعد شيوعياً ولا هو سيعبر نحو الرأسمالية الليبرالية على الطريقة الغربية، بل أصبح نظاماً رأسمالياً بيروقراطياً تحكمه نخبةٌ مسيطرة، لن تلبث أن تتجه صوب القومية أو الفاشيّة.
من جهةٍ ثانية، لدينا كتاب جوون تشو، الذي خرج منذ أشهر قليلة، وهو يناقش المسألة نفسها من زاوية الحاضر والأرقام، بعد أن انجلت الأمور أكثر، واصبح من المتاح بناء تقييمٍ جديدٍ عما جرى في تلك الأيام.
«المسألة الزراعية»
المسألة الزراعية طبعت القرن العشرين بأكمله، يكتب تشو، وهي مرّت بمرحلتين متمايزتين: منذ بداية القرن العشرين وحتى السبعينيات تجد اصلاحاتٍ زراعيّة في كلّ أرجاء العالم، وكلّها ذات طابعٍ توزيعيّ يستلهم ــــ لدرجات مختلفة ــــ من النموذج الاشتراكي. حتّى البرجوازيات الوطنيّة والدّول الرأسماليّة خاضت النمط نفسه من الاصلاحات، وكوريا وتايوان قلّدت في توزيعها للأراضي، بوعيٍ وعن قصد، النموذج الصيني (وهذا كان يجري لسببين: أوّلاً حتى لا يكسب الشيوعيون تأييد الفلاحين و ،ثانياً، لأنّ تلك الاصلاحات كانت تُعتبر في ذلك الزمن والسياق، يكتب تشو، «الطريق الوحيد المتاح»، وهو التعبير نفسه الذي ستستخدمه مارغريت تاتشر بعد عقودٍ للتأكيد على حتمية الطريق النيوليبرالي). لهذه الأسباب تمّ عقد تحالفات كبرى بين أهالي الأرياف وبين الحركات الثورية واليسارية في أكثر من مكانٍ في العالم، ولهذا السبب كنت تجد الرّيف ــــ من اميركا اللاتينية الى سوريا والعراق ــــ مؤيّداً للحركات التقدميّة، ولا يشبه صورة الريف المحافظ، بل كانت الرجعيّة والمحافظة تتركّز في عائلات الملاكين القديمة وحلفائها في المدن.
المرحلة الثانية جاءت مع السبعينيات، حين تمّ النكوص عن أغلب هذه البرامج، من اميركا اللاتينية الى منطقتنا (تمّ تفكيك مزارع الدولة في العراق عام 1987، وفي الجزائر خلال الفترة ذاتها)، وصولاً الى اوروبا الشرقية والتخصيص العارم للقطاع الريفي في التسعينيات. والتجربة الصينيّة كانت جزءاً من هذا المسار ولا يمكن أن تقرأ من خارجه.
«الاصلاح الزراعي» هو كلمةٌ أخرى لـ«التحديث»: كيف تحوّل ريف قبل ــــ رأسمالي الى ريفٍ حديثٍ منتج، ولصالح من يجري تدمير الطبقات القديمة (كالملّاك والاقطاع الطفيلي). هنا، يقول تشو، نجد ثلاثة طرقٍ وخيارات، تكرّرت تقريباً في كلّ مكان في العالم. لديك أوّلاً الخيار الرأسمالي، أي أن تحوّل المجتمع الريفي الى سوق والأرض الى سلعة، فيرتفع البعض ويتملّكون الأرض والثروة فيما يتحوّل الباقون الى عمّالٍِ أو يخسرون أرضهم ويهاجرون، فيجري التحديث بكلفة الاستقطاب الاجتماعي. الطريق الثاني هو الطريق الاشتراكي، الذي ينادي بتنظيم الريفيّين وتعليمهم حتّى يتمكنوا من إدارة الأرض جماعيّاً، فيحصل التحديث بفعل تضافر الجهود والتخطيط العقلاني، وتنتج مجتمعاً ليست فيه فروقٌ وملّاك وأجراء (الشعار الصيني خلال مرحلة التجميع كان «ننهض سويّة أو نظلّ كلّنا تحت»). أمّا الخيار الثالث فهو النموذج «الشعبوي»، الذي يفضّل ملكيّات صغيرة على مستوى العائلة، لا يريد الاشتراكية ولكنّه يرغب بحماية الفرد من توحّش الرأسمالية (أي أنه ليس ضد الرأسمالية، بل ضد تطرّفها). وهذا التيار أشبه بما نعتبره اليوم «يساراً» في اوروبا وباقي العالم، يطالب بالضمانات والحماية للأفراد في ظلّ الرأسمالية، ويستوحي من أنظمة اوروبا الغربية كمثال أعلى (يحاجج تشو بأنّه، مع طمس الخيار الاشتراكي، أصبحت الشعبوية هي «الخيار اليساري» في العقود الماضية).
التيارات الثلاثة كانت موجودة في الصّين منذ السنوات الأولى للثورة والتحرير والجدال بينها لم ينقطع حتى وفاة ماو. في الفترة التي تلت التحرير مباشرة كان لديك ليو شاوكي، الذي حاجج بضرورة اعتماد آليات السوق في الأرياف، وأن انشاء اشتراكية في مجتمع ريفي متخلّف هو حلمٌ طوباوي («في المستقبل، يمكننا ببساطة أن نصادر هذه الأملاك»، كان شاوكي يضيف بحسب تشو). فيما كان مسؤول القطاع الزراعي في الحزب الشيوعي ينظّر للطريق الشعبوي والملكية العائلية، وماو كان الشخصية الأساسية التي أصرّت على الاشتراكية والتجميع، وفرضت رأيها ضدّ التيّارين المخالفين في نقاشاتٍ شهيرة. على الدوام وحتّى بداية الألفية، كان الشعبويون والرأسماليون يقفون في حلفٍ واحدٍ ضدّ الخيار الاشتراكي، وهم قد سارعوا الى الانقلاب على النموذج الماوي بمجرّد غيابه عن السّاحة.
لصالح من؟
قبل أن ندخل في التفاصيل حول تحوّلات الريف الصّيني والحجج التقنية مع وضدّ التخصيص (وهو موضوع الجزء الثاني من المقال)، يكفي أن نذكّر بما حذّر هِنتون منه وهو يشهد تخصيص المزارع وتفكيك المشاريع الجماعية. في نظام «كلّ واحدٍ لنفسه»، جزم هِنتون، سوف يعود الاستقطاب الى المجتمع الصّيني بشكلٍ يشبه ما كان عليه في العهد القديم. سوف ينجح بعض المزارعين ويصبح الباقون موظّفين عندهم، أو سيضطرّون للهجرة الى المدن للعمل في مصانع القطاع التصديري الناشىء بسبب المدخول الضئيل لأرضهم (في كثير من الحالات لم تتعدّ حصّة المواطن الواحد مئات الأمتار المربّعة، وكانت تقسّم أحياناً الى أكثر من قطعة ــــ واحدة قريبة من القرية وأخرى في الحقول البعيدة وثالثة في التلال ــــ وهي تأخذ شكلاً ضيّقاً ومستطيلاً كما أسلفنا، في تقسيمٍ شبيهٍ بتقسيم الأرض الزراعية في اوروبا الاقطاعية، حتى أن هنتون يقول إنه كان من الصعب للعربة أن تسير على أرضك من دون أن يمسّ دولابها أرض جارك).
المزارع الناجح، من جهةٍ، قد يكون حصّل ثراءه من عمله وهو يستحقّ هذا المال، كما تقول الكوادر في بيجينغ، ولكن ابنه ــــ يضيف هِنتون ــــ سيرث حصّة أبيه في الشركات، وسيرث عقوده مع الكومونة وجراراته وأبقاره، وسيراكم المال من غير أن يضطرّ الى العمل، وهكذا تبدأ الدورة. هو سيستفيد من المشاريع والبنى التحتية وقنوات الري التي بناها، على مدى العقود السابقة، ملايين الفلاحين الصينييّن بسواعدهم، فيما الأغلبية ستتحول الى «موظفين» ــــ بعد أن كانوا في السابق، في ظلّ التجميع، بمثابة «برجوازيين صغار». هؤلاء، الذين تدفقوا من الريف الصيني بمئات الملايين (عام 2016، يقول تشو، كان في المدن الصينية أكثر من 280 مليون مهاجر من الأرياف)، لم يعيشوا حياةً جيّدة أو سهلة، ولا أصابهم الثراء والازدهار، بل عملوا بكدٍّ وذعرٍ من دون توقّف، حتى يحصّلوا «الحدّ الأدنى» الذي كان متوافراً لأغلبهم في أيام الاشتراكيّة. وكلّ هذا العمل، وملايين الظهور المنحنية، ذهب لفائدة الأقلية التي حكمت أو أثرت داخل البلاد، والمستهلكين الغربيين الذين حصلوا لعقودٍ على سلعٍ استهلاكية رخيصة. بحسب تشو، كان ماو نفسه يفهم سهولة «الانزلاق» الى الطريق الرأسمالي، بل أنّ النظام الاشتراكي نفسه، ونخبته وتراتبيته التي تخلق طبقةً بيروقراطية حاكمة، قد تمهّد الطريق لتحوّلٍ يمينيّ: «لدينا في الصين الآن ثماني درجات وظيفية غير متساوية، مع نظام بيع وشراء، ومخصصات تحدد قيمة عمل كلّ فرد، الخ»، لاحظ ماو، «سيكون من السّهل جداً أن تُطلق الرأسمالية».
جريدة الأخبار