” وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ”
الظلم؛ أن يتعدّى الإنسان في عباداته ومعاملاته حدود الله سبحانه، عن الإمام الباقر (ع) قال: الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يَدَعه.. فأما الظلم الذي لا يغفره الله -عز وجل- فالشرك بالله.. وأما الظلم الذي يغفره الله -عز وجلّ- فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ.. وأما الظلم الذي لا يدعه الله -عزّ وجلّ- فالمداينة بين العباد .
الظلم من أكبر المعاصي، وأكثرها عذاباً، وما عانته البشريّة – ولا تزال تعانيه – من ألوان المآسي والأهوال سببه الظلم، لأنه منبع الفساد والدمار، أقبح وأشدّ الظلم هو الشرك بالله سبحانه، قال تعالى ” إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ” وتوعّد الله سبحانه الظالمين بالعذاب ” إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم “، عن رسول الله (ص): إنّ أهون الخلق على الله من ولي أمر المسلمين فلم يعدل لهم . وقال (ص): اتقوا الظلم؛ فإنّه ظلمات يوم القيامة.
والظلم ثلاثة أنواع: الأوّل؛ الشرك بالله، وهو أخطر أنواع الظلم وأشدّها، ولا يغفر الله لمن مات مشركاً، قال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا “، لأنّ من اتخذ مع الله شريكاً ابتعد عن الحق وحاد عنه، ” وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ” لأنّ الشرك وضعٌ للعبادة بغير موضعها، وانحيازٌ عن الحق، وهذا من أعظم الظلم، لأنّ الله خلق الإنسان بهدف أن يكون عبداً لله لا أن يكون عبداً لغير الله سبحانه، وهذا الظلم الذي لا يُغفر . والنوع الثاني؛ ظلم العبد نفسه؛ أن يرتكب المعاصي، ويعرّض نفسه لنقمة الله وسخطه، فبارتكاب المعاصي والآثام تعريض للنفس للعقاب والعذاب، خصوصاً إن مات وهو على تلك الحال، فإن تاب واستغفر وصحّح سيره وندم على معاصيه؛ فإنّ الله يغفر له، وهذا هو الظلم الذي يغفره الله سبحانه . وأما النوع الثالث؛ فهو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؛ بسلب مالهِ، أو غيبته، أو بقطع رحمه، أو بتسبيب الأذى، فهذا الذنب الذي يُعاقب الله عليه إن لم يسامح صاحبه، وهذا هو الظلم الذي لا يُترك، لأنّه يتعلّق بحقوق الناس، وكثيرةٌ هي الروايات التي تنهى الإنسان عن ظلم أخيه الإنسان، وبنفس الوقت تأمره بالإحسان والتعاون، عن رسول الله (ص): المسلم أخُ المسلم؛ لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه؛ كان الله في حاجته .
أما بالنسبة للآيات والروايات فهي متظافرة في التحذير من الظلم، وذم الظلم والظالمين، قال تعالى ” إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ” وقال ” إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ” وقال ” وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ “، قال أمير المؤمنين (ع): الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها ، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها . ما لعلي و لنعيم يفنى ، و لذة لا تبقى .
الظالم لا ينجو من العقاب، فسيناله الخزي والعقاب في الدنيا والآخرة، في الرواية عن أبي بصير قال: دخل رجلان على أبي عبدالله (ع) في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامهما قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم ياخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس فلا ينكرالشر إذا فعل به، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المرحلوا ولا من الحلو مرا فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما. وعن الإمام الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن النبي (ص) أنه قال: تكلّم النار يوم القيامة ثلاثة : أميراً ، وقارئاً ، وذا ثروة من المال ، فتقول للأمير : يا مَن وهب الله له سلطاناً فلم يعدل !.. فتزدرده كما يزدرد الطير حبّ السمسم ، وتقول للقارئ: يا مَن تزيّن للناس وبارز الله بالمعاصي !.. فتزدرده ، وتقول للغني : يا مَن وهب الله له دنيا كثيرة واسعة فيضاً ، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى إلا بخلاً!.. فتزدرده .
وكما يحرم الظلم؛ يحرم العمل مع الظالم، صفوان الجمال كان من شيوخ أصحاب الإمام الصادق (ع) وخاصته، يقول: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أيُّ شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون الرشيد. قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطرا،ً ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق، (يعني مكة)، ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك. فقال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم. قال: من أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار. قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها. فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: ولم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت: مالي ولموسى بن جعفر، فقال: دع هذا عنك، لولا حُسن صحبتك لقتلتك. وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلماً، ولاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم . وفي حديث عن رسول الله (ص) أنه قال: من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها ثم نزل به ملك الموت قال له: أبشر بلعنة الله ونار جهنّم وبئس المصير، ومن خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار، ومن دلّ سلطاناً على الجور قُرِن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشدِّ أهل النار عذابا . وقال أمير المؤمنين (ع): أيها الناس !..إنما يجمع الناس الرضا والسخط ، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ، فعمّهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا ، قال سبحانه : { فعقروها فأصبحوا نادمين } ، فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوّارة .. أيها الناس !..من سلك الطريق الواضح ورد الماء ، ومن خالف وقع في التيه. وعن رسول الله (ص): مَنْ أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيس من رحمة الله.
إنّ من أفضل الجهاد والطاعات نصرة المظلوم، قال رسول الله (ص): من أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنّة . وقال الإمام علي (ع) للحسنين (ع): قولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً . وقال الإمام الصادق (ع): ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة . وعن الإمام الصادق (ع): كتب رجل إلى أبي ذر (رض): يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم، فكتب إليه: إنَّ العلم كثير، ولكن إن قدرت [على] أنْ لا تسيء إلى من تحبه فافعل، قال فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبه؟ فقال: نعم، نفسك أحبُّ الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.
إنّ من يستقرئ التاريخ يجد أنّ نهاية الظالمين وخيمة، وسيّئة، وهذه سنّة الله في خلقه، قال تعالى ” فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” وقال تعالى ” وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ “، قوم نوح لمّا طغوا أغرقهم الله بالطوفان، وفرعون ادعى الربوبية؛ فأغرقه الله بالبحر، ونجّاه ببدنه ليكون عبرةً، وأبرهة وقومه أرسل الله عليهم طيراً أبابيل، ويزيد بن معاوية لا يُعرف: كيف مات؟ ويكفي عبرةً ما جرى للحجّاج بعد قتله لسعيد بن جُبير؛ إذ إنّ الحجّاج أمر باعتقال سعيد بن جُبير، فلمّا صار أمامه جرى حوار طويل بينهما؛ إلى أن قال له الحجّاج: لأُبَدِلَنَّك بِدُنياك ناراً تلَظّى ! ‘ فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبَد من دون الله . قال الحجاج : ما رأيك فيّ ؟ قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين !فقال الحجاج : أختر لنفسك قتلة يا سعيد ! فقال سعيد : بل أختر لنفسك أنت ! ، فما قتلتني بقتلة إلا قتلك الله بها ! فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك، ولن أقتلها لأحد بعدك ! فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي، وأُفسِدُ عليك آخرتك . ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : جروه واقتلوه !! فضحك سعيد ومضى مع قاتله فناداه الحجاج مغتاظاً : ما الذي يضحكك ؟ يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله، وحلم الله عليك !! فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه !! فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبلة ، ثم وضعوا السيف على رقبته ، فقال : ‘ وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين .’ فقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبلة ! فقال سعيد : ‘ ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله .’ فقال الحجاج : كُبّوه على وجهه ! فقال سعيد : ‘منها خلقناكم وفــيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى .’ فنادى الحجاج : أذبحوه ! ما أسرع لسانك بالقرآن يا سعيد بن جبير ! فقال سعيد : ‘ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ‘ . خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامـة !! ثم دعا قائلاً : ‘ اللهم لا تسلطه على أحد بعدي . والعجيب أنه بعد موته صار الحجاج يصرخ كل ليله : مالي ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلي !وبعد 15 يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحدٍ من بعد سعيد .
وقبل الحجّاج فإنّ قتلة الإمام الحسين (ع) قُتِلوا كما دعا عليهم الإمام (ع)، وهذا عبد الملك بن مروان؛ حينما جاءه الموت وتعسّر خروج روحه، كان يطلب الماء ولا يرتوي، فأمر بفتح أبواب القصر، فرأى قصّاراً ينشر ثياباً صبغها على السطح، فقال: ليتني كنتُ قصّاراً ولم آلي هذا الأمر . فقال القصار – واسمه جعفر -: الحمد لله الذين إذا جاءهم الموت تمنّوا ما نحن عليه، وإذا جاءنا الموت لا نتمنّى ما كانوا عليه . وكذلك ملوك بني العباس، وغيرهم على مرّ التاريخ، وفي عصرنا؛ رأينا كيف كانت نهاية شاه إيران، والقذافي الذي اختبأ في مجرور، وقبله صدّام الذي اختبأ في بالوعة، ولكنّ الله انتقم من الظالمين بالظالمين .
إنّ عاقبة الظلم وخيمة في الدنيا والآخرة، فدار الظالمين في النهاية الخراب، فلا يفرح الحُكّام في هذا البلد وغيره بما اقتضموه من أموال الشعب، وحرموا هذا الشعب المُضحّي من ضروريات العيش الكريم، إذ لا بد أن ينتقم الله من الظالمين شر انتقام؛ شرط أن يترك الناس التزلّف لهم، ومديحهم، بل والانتصار لهم، وشكرهم على ما هو حقّ للشعب على الحكّام، فلا بدّ أن تأتي الساعة التي ينتبه الناس فيها ويثوروا، لأنّ الظلم لا يدوم وإن قطع دهراً .
إننا نرى أن التهديد الصهيوني الأخير بضرب لبنان يجب أن يوضع برسم الأمم المتحدة والدول المكونة لها ونؤكد أن العالم بصمته عن الخروقات الصهيونية اليومية لسيادة لبنان يسمح للكيان باستمرار اعتداءاته
ونشدد على أن لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته يملك القوة والتصميم والقرار لصد أي عدوان . وإننا ندعو كل الفرقاء السياسيين في لبنان إلى وعي خطورة المرحلة والوقوف صفا واحد في مواجهة كل التهديدات التي يتعرض لها البلد. ونرى أن تشكيل الحكومة ضرورة للحفاظ على البلد من المخاطر الخارجية الصهيوامريكية ومن المخاطر الداخلية المتمثلة بالفساد.
وبمناسبة ذكرى وعد بلفور المشئوم نعتبر أن هذا الوعد الذي تجلى بالمجازر الصهيونية بدءاً من كفر قاسم مروراً بحولا وصولاً لقانا وغيرها الكثير وبشكل يومي في فلسطين المحتلة يحتضر على ايدي محور المقاومة ونحن نعيش وعد النصر الحاسم. ونختم بتوجيه التحية للشعب اليمني الذي رغم العدوان ما زال حكيما لم يغلق باب العملية السياسية ونوجه التحية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يعيد بمسيرات حق العودة الذكرى لانتفاضة الشعب اللبناني وتحريره ارنون والذي شكل مقدمة للتحرير الكبير.
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]
تصوير:رامي أمين