الرئيسية / ثقافة عامة / بين البقاعِ والجنوبِ قلبٌ ووطنٌ

بين البقاعِ والجنوبِ قلبٌ ووطنٌ

أقفُ حائرًا عاجزًا عن التّعبير. أشعر بأن قلبي ينشطر نصفين: نصفٌ يفوز به البقاع، وآخر يظفر به الجنوب.
أنا كمشة تراب من سهل البقاع، جبلها الله بمياه العاصي، ونفخ فيها حبّ الجنوب.
أنا ابن الهرمل “مدينة الشّهداء”، تعمّدتُ بعاصيها، وتناولتُ قربانتي الأولى في دير مار مارون المختبئ بين صخورها.
أنا ابن بعلبكّ “مدينة الشّمس”، أنا أخو “باخوس” إله قلعتها، نحتُّ قلمي من حجارتها، وجمعتُ شجاعتي من أرضها زهرًا وسنابل.
أنا ابن زحلة “عروس البقاع”، جارة الوادي، ركضتُ في الكروم حافيًا تحت المطر، وراقصتُ العرائشَ على إيقاعِ طبول العواصف.
أنا ابن الجنوب، نذرتني أمّي لسيّدة مغدوشة، وعلّمتني “الأبانا” في بساتين الزّيتون.
أنا ابن جبل عامل، تجمّلني العواصف، وتزيدني ثباتًا وعنادًا.
أنا ابن صور، ترعرعتُ في “حارة المسيحيّين”، وافترشتُ القوارب سريرًا لي في المرفأ القديم، وأضأتُ المآذن سراجًا في اللّيالي الحالكة.
أنا ابن الصّرفند، خرجتُ من بحرها في الصّباح، مبلّلًا بالمياه المالحة، تفوحُ منّي رائحةُ السّمك، وأويتُ إلى كهوفها المهجورة.
أنا ابن قانا، جمعتُ أشلاءَ الأطفال قربانًا في الجمعة العظيمة، ودموعَ الثّكالى والأراملِ ورودًا نثرتُها في “عرس قانا”.
أنا ابن الشّقيف، في يدي بندقيّةٌ، وفي حنجرتي قولُ حقٍّ، وصرخاتُ غضبٍ، وبحّةُ حنينٍ.
أنا ابن النّميريّة، دفنتُ قلبي في ترابها شهيدًا، يوم عاد “علي صادق” مكفّنًا، منتصرًا على الموت.
أنا ابن بنت جبيل، حفيد مارون الرّاس، عصيّ على العدوّ الإسرائيليّ، قاهر أحلام الصّهاينة، مقاتل شرس، تعمّدتُ بالنّار في معسكرات المقاومة، وأتقنتُ فنون الحرب والانتصار.
أنا ابن الحجير، لملمتُ القذائف الفارغة والحصى، وتسلّقتُ الميركافا المدمّرة والصّخور.
أنا ابن القصيبة، لطمتُ صدري حزنًا ولوعةً، وهتفتُ: لبّيك يا حسين.
أنا ابن النّبطيّة، ومجدل سلم، وكفركلا، وشوكين، وميفدون…
أنا ابن القصر، ويونين، واليمّونة، وبريتال، وريّاق، والنّبي شيت…
أنا ابن البقاع والجنوب.
بقاعي زرع وحصاد، وجنوبي حبّ وأمل.
بقاعي نهر وسهل، وجنوبي بحر وشمس.
بقاعي جهاد ومقاومة، وجنوبي نصر وتحرير.
بقاعي قمح وأقحوان، وجنوبي زيتون وريحان.
البقاع نصف قلبي، والجنوب نصفه الآخر، والضّاحية الجنوبيّة موطن قلبي، وقلب لبنان النّابض عزّةً وكرامةً… ومقاومةً.

سركيس الشّيخا الدّويهي

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم