يتردّدُ دائمًا أنّ الشّبابَ هم مستقبلُ البلاد، وهو كذلك. فمرحلةُ الشّبابِ تكتسبُ أهمّيّةً خاصّةً في حياةِ كلِّ مواطنٍ، إذ فيها تتبلورُ أفكارُه وتوجّهاتُه، وتترسّخُ في نفسِهِ القيمُ والمبادئُ، ويكسبُ خبرةً وعلمًا، وتتوضّحُ لديه أعمقُ القناعاتِ.
إنّ الشّبابَ هم القوّةُ السّياسيّةُ والاجتماعيّةُ الأكبرُ والأكثرُ تحرّرًا وانفتاحًا، فهُم يملكونَ القدرةَ على تحقيقِ أهدافِهم وتغييرِ واقعِهم، عندما يوظّفون طاقاتِهم وقوّتَهم في النّشاطاتِ السّياسيّةِ والاجتماعيّةِ، وبإمكانِهم أن يشكّلوا قوّةَ ضغطٍ وتأثيرٍ هائلهً على جميعِ القوى السّياسيّةِ، وعلى صنّاعِ القرارِ والمسؤولينَ، شرطَ أن يتّحدوا، ويتلاحموا، ويخرجوا من قوقعةِ الطّائفيّةِ والمذهبيّةِ والمناطقيّةِ والحزبيّةِ الضّيّقة، إلى الوطنِ الّذي يتّسعُ لجميعِ أبنائِه بمختلفِ انتماءاتِهم، وتوجّهاتِهم، وأفكارِهم.
إنّ شبابَنا هم العمودُ الفقريُّ لأمّتِنا العربيّةِ، وقلبُها النّابضُ، ويدُها القويّةُ الّتي تبني وتحمي، ومخزونُ طاقتِها المتدفّقُ والمتجدّدُ الّذي يملأها حيويّةً ونشاطًا. ولكنّنا -من سوءِ حظّنا- ابتلينا بحكّامٍ يستخدموننا وقودًا في صراعاتِهم وحروبِهم، بدلًا من تشجيعِنا على الإبداعِ والابتكارِ، ودعمِ مواهبِنا وقدراتِنا، واستثمارِ طاقاتِنا وإمكانيّاتِنا، من أجل تطويرِ بلدانِنا العربيّةِ، وتحسينِ ظروف ِالحياةِ فيها، وخلقِ قوّةٍ شبابيّةٍ قادرةٍ على مواجهةِ التّحدّياتِ الخارجيّةِ بمختلفِ أشكالِها، ما أدّى إلى خسارةِ عددٍ كبيرٍ من شبابِنا في الحروبِ والصّراعاتِ، وإلى هجرةِ الأدمغة الشّابّة إلى الدّول الأوروبيّة والأميركيّة، هربًا من الموتِ، وسعيًا وراءَ أحلامِهم، وبحثًا عن الفرصِ، وتوقًا إلى حياةِ كريمةٍ.
وعند الحديثِ عن التّغيير، لا بدّ لنا من التّحدّثِ عن الشّبابِ ودورِهم في التّغييرِ، والإصلاحِ، والنّهضةِ، والتّحرّرِ، لما يتميّزون به من طاقةٍ متجدّدةٍ متفجّرةٍ، تتفاعلُ مع الأحداثِ، والمتغيّراتِ، والظّروفِ، ومن قدرةٍ على العطاءِ العقليِّ والبدنيِّ، وعلى التّطوّرِ والتّطويرِ، ومن حبٍّ للمغامرةِ ومواجهةِ التّحدّياتِ والمخاطرِ، ومن طموحٍ يرفضُ اليأسَ والاستسلامَ.
إنّ الشّبابَ هم الأكثرُ طموحًا في المجتمعِ، وهم أساسُ التّغييرِ، والقوّةُ القادرةُ على إحداثِه. فهم الأكثرُ استعدادًا للبحثِ عن الجديدِ، وتبنّيهِ، والتّعاملِ معه، والإبداعِ فيه. فالحماسُ الفكريُّ، وعلوُّ الهمّة، وروحُ المبادرة، والطّاقةُ الجبّارةُ الّتي يملكُها الشّبابُ، تجعلُ منهم قوّةً اجتماعيّةً هائلةً في كلِّ البلدان، قوّةً قادرةً على التّغييرِ، والإصلاحِ، والتّقدّمِ، والتّأسيسِ لأجيالٍ مقبلةٍ تكونُ ظروفُها الاجتماعيّةُ والسّياسيّةُ والاقتصاديّةُ أفضلَ بكثيرٍ من ظروفِ شبابناِ اليوم.
إنّ دورَ الشّبابِ في مشروعِ التّغييرِ العربيِّ المعاصرِ يتمثّلُ في اتّجاهاتٍ ثلاثةٍ:
الأوّل: البناء، والقيادة، والتّخطيط، والإدارة، والتّطوير الدّاخليّ للمشروع، ليبقى حديثًا معاصرًا بأفكارِه وأساليبِه، وقادرًا على التّفاعل.
الثّاني: التّفاعل مع المحيط، والتّأثّر والتّأثير به، ما يمنعُ التّكلّسَ والجمودَ.
الثّالث: استمرار إنهاضِ المشروعِ من أيّةِ كبوةٍ، وتقديم التّضحياتِ في سبيلِ إنجاحِه، وتحمّل تبعاتِ المواجهة مع العدوِّ الصّهيونيِّ الغاصبِ، والمجموعاتِ الإرهابيّةِ الّتي تتغيّرُ أسماؤُها، وتتبدّلُ وسائلُها، ويبقى هدفُها واحدًا، وهو تدميرُ المجتمعاتِ العربيّةِ، وتشريدُ شعوبِها، وتفريغُ أوطانِنا من الأدمغةِ والطّاقاتِ الشّابّةِ الواعدةِ.
وحتّى نتمكّنَ من تطويرِ دورِ الشّبابِ في مشروعِ التّغييرِ، يجبُ أن نحضَّ على زيادةِ الاهتمامِ بالتّربيةِ على القيادةِ والرّيادةِ في العطاءِ والتّضحيةِ والتّغييرِ، وعلى زيادةِ انفتاحِ قياداتِ مشاريعِ التّغييرِ على أفكارِ وطموحاتِ الشّباب، وفهمِ شخصيّتِهم واستعداداتِهم، وتفعيلِها في الخطّةِ والإدارةِ والقيادةِ، وعلى رفعِ مستوى مشاركةِ الشّبابِ في القيادةِ الميدانيّةِ والسّياسيّةِ لمشاريعِ التّغيير، وفي العملِ السّياسيِّ من خلالِ إنشاءِ برلماناتٍ شبابيّةٍ، وحكوماتِ ظلٍّ فاعلةٍ، بدلَ تجنيدِ الشّبابِ العربيّ لمخطّطاتٍ وأهدافٍ سياسيّةٍ مشبوهةٍ، يرسمُها بعضُ التحكّمين بالشّارعِ العربيِّ، لم نحصدْ منها إلّا الدّمارَ، والتّشرّدَ، والمزيدَ من الشّرخِ بين فئاتِ المجتمعِ الواحد.
إنّ آمالَنا اليوم بالتّغييرِ معقودةٌ على الشّبابِ، لذا ندعو إخوتَنا العرب الشّرفاء إلى توحيدِ الرّؤى، ورصِّ الصّفوفِ، ونبذِ التّعصّبِ الطّائفيِّ والمذهبيِّ، والتّعالي على الأحقادِ والضّغائنِ، للقضاءِ على الإرهابِ الّذي يتفشّى في بلدانِنا فكرًا وفعلًا، لمواجهة رياحِ التّطبيعِ الصّحراويّةِ، ومحاربةِ العدوِّ الإسرائيليِّ وإزالتِه من الوجودِ، ولا يعوّل في ذلك إلّا على الشّبابِ العربيِّ المناضلِ، والمكافحِ، والمجاهدِ، والمقاومِ.
دعونا نتخلّى عن التّعصّبِ بمختلفِ أشكالِه، ولنتحرّرْ من كلِّ ما يعيقُ مشروعَ التّحرّرِ، والتّقدّمِ، والتّطوّرِ، والازدهارِ في عالمِنا العربيِّ، ولْنرفضِ الخنوعَ، والخضوعَ، والاستسلامَ، مُآثرينَ الموتَ بعزٍّ على العيشِ بذلّةٍ، فالموتُ بكرامةٍ حياةٌ، والحياةُ بذلّةٍ موتٌ.
سركيس الشّيخا الدّويهي