في خطوة استباقية ومدروسة، دعت إدارة “استراحة صور السياحية” فاعليات المدينة إلى لقاء “لمناقشة موضوع الأشغال التي تنوي تنفيذها والتي تهدف لإزالة الرمل والرواسب التي طمرت الحوض الجنوبي نتيجة تراكمها بسبب حركة التيارات”.
إلا أن ذلك لم يبدد مخاوف أهالي وسكان المدينة والناشطين وممثلي الجمعيات الأهلية، بالرغم من أن الدعوة جاءت تحت عنوان “درء الأخطار” من جهة، ومن أجل الاطلاع على آرائهم والإجابة عن استفساراتهم من جهة ثانية، خصوصا وأن القضية تحمل أبعادا عدة منها القانونية والبيئية، وتلك المرتبطة بذاكرتهم وانتمائهم لهذه المدينة وبحرها وشواطئها ورمالها.
طرح الذين حضروا اللقاء هواجسهم من بيع أو سرقة رمول شاطئهم، وبحسب تعبيرهم “التجارب السابقة لا تشجع، خصوصا وأن كميات هائلة قد سحبت من شاطئ صور خلال سنوات طويلة دون حسيب أو رقيب”، يضاف الى ذلك أنه في العام 2013 عندما قررت إدارة الاستراحة إزالة الرمل حصلت “شركة جهاد العرب” بمناقصة إزالة الرمول بترخيص من وزارة الأشغال العامة والنقل، على أن تحصل على الرمول مقابل أعمالها، وقد اشعل الخبر يومها حملة معارضة كبيرة للمشروع، وقدرت كميات سحب الرمول من خلاله بنحو 150 ألف متر مكعب، فتراجعت يومها الاستراحة عن المشروع نظرا لحجم الرفض الشعبي الذي واجه العملية بأكملها، قد لا يغيب عن بالنا أن هذا الرفض جاء نتيجة التجارب السيئة التي انطبعت في ذاكرة أهل المدينة كما ان البلدية يومها رفضت الأعمال واعتبرتها مخالفة للقانون.
لجنة مصغرة
خلال اللقاء أكد كل من المستثمرين علي وقاسم خليفة، أن الرمال أصبحت مشكلة تعيق السباحين الذين اشتكوا منها لسنوات بعد أن امتلأ الحوض بها، الأمر الذي دفعنا إلى المطالبة بتنظيف الحوض، وبناء عليه رفعت وزارة السياحة طلبا الى وزارة النقل والأشغال بتنظيف الحوض فقط ولا مصلحة لنا بعملية أكبر أو سحب كميات من شأنها أن تسبب أضرار نحن بغنى عنها، وأكد خليفة أن “مساحا” قام بمسح المنطقة ودفعنا رسم للدولة بقيمة 18 مليون ليرة لبنانية وحصلنا على الترخيص من وزارة النقل والأشغال للمباشرة بإزالة ما يقدّر بنحو 18 ألف متر مكعب.
وأكد خليفة أنه لم يتم الاتفاق مع أي مقاول أو أي متعهد لأننا رأينا أنه يتوجب علينا مناقشة الموضوع مع أهل المدينة قبل المباشرة بأي عمل.
وكان لافتا للانتباه في الجلسة فتح بعض الناشطين الباب على إزالة التعديات المتمثلة بالسنسولين فلا تتجمع من بعدها الرمال، وهذه المطالب تؤكد أن الصوريون الى اليوم لم يتقبلوا المخالفات ويعتادوا عليها كأمر واقع وفي أول فرصة سيطالبون بإزالتها، وأشار خليفة بهذا الخصوص الى أن الأمر سيحتاج الى مبالغ كبيرة لا حمل للاستراحة على تحملها.
وأكد أن الرمل لن يتم بيعه، وسينقل الى الجهة التي يراها الأهالي مناسبة، فاقترح البعض نقلها إلى الشاطئ الجنوبي أو “شاطئ النبي إسماعيل”، كما وتم اقتراح فتح منافذ من السنسولين من قبل عضو البلدية السابق علي دبوق لكيلا تنحسر الرمال مجددا داخل الحوض، على اعتبار أن عملية التنظيف ستتجدد مع تراكم الرمل وستتكبد الاستراحة نقلها وتتسبب بضرر بيئي، واقترح آخرون البحث عن حلول ثانية غير شفط الرمول وسحبها، على اعتبار أن الحلول دائما تأتي مرتجلة بدون دراسة، كما وتساءل المجتمعون عن سبب غياب البلدية عن هذا اللقاء وعن رأيها في مشروع التنظيف المزعوم.
علي خليفة أجاب بأن الحصول على الاذن أو الترخيص يتم عبر وزارة النقل والأشغال وهي المعنية في هذا الجانب، وتوافف المشاركون في اللقاء على تشكيل لجنة مصغرة لمتابعة المشروع مع إدارة الاستراحة.
بلدية صور
وفي هذا السياق، استفسر greenarea.me عن سبب حياد البلدية، فأشار رئيسها المهندس حسن دبوق إلى أن “الجهة المخولة الموافقة على المشروع والترخيص له هي وزارة النقل والاشغال العامة”، وقال: “طالما أن الأشغال ستحصل ضمن حرم الحوض ولن يتم بيع الرمل فالأعمال ليست مخالفة للقوانين”، وأكد دبوق ان “البلدية لن تسمح ولن تقبل ببيع رمال المدينة او استخراجها للإتجار بها، وإذا تم التوافق على البدء بالأعمال سيتم مراقبتها ولن نقبل بغير عملية تنظيف الحوض”.
علي خليفة أوضح لـ greenarea.me أن إدارة الاستراحة لن تعاند رغبة الأهالي إذا لم يتم الاتفاق معهم على بدء الأعمال، وأكد أن لا هدف آخر وراء طلبهم إزالة الرمول من الحوض، وعن الشق البيئي اعرب عن استعداه “لإجراء كل الدراسات المطلوبة والالتزام بها”.
يونس
وأشار مؤسس ورئيس “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس لـ greenarea.me إلى أنه “من وجهة نظرنا، فالأمر يتعلق بمبدأ إستعادة العناصر الأولى للشاطئ، وهو أمر حيوي بحاجة أن نوليه أهمية ونعرضه للدراسة لإيجاد السبل الفضلى لإستعادة عناصر الشاطئ الطبيعي في حالته الأولى”.
وقال: “دعونا لا ننسى أن إقامة السنسولين لم يخضع لأي دراسة تعرض للأثر البيئي في حينه، هذا قبل الدخول إلى الشق القانوني والمتعلق بالبناء على الشاطئ العام وقطع الطريق عن العامة للوصول إليه، وهو ما يشكل مخالفة لا تبرر أو تسقط بالتقادم. واليوم بعد مرور عقود على إدخال هذ الإنشاءات على الشاطئ لا بد من إعادة تقييم شامل للحالة البيئية ومن أحد نتائجها تراكم الرمل، دعونا لا ننسى ذلك. ولدينا فرصة اليوم لإعادة تقييم كامل الحالة، أمر كان يجدر أن يجري منذ فترة ويراقب. تزايد الرمل يفرض علينا ذلك، ونحن نتحدث عن حالة متكررة، وبالتالي يجدر علينا دراسة سبل مستدامة لإيجاد حل للمسألة بعد فهم وتقييم سليم للوضع البيئي”.
وأضاف يونس: “هذا الحيز هو امتداد لشاطئ المحمية، شاطئ واحد ونظام بيئي متصل. يجب أن يحضر هذا دائماً لدينا وبناء عليه، علينا النظر في أي أشغال من هذا المعطى وهو معطى جوهري لذلك نحن طالبنا، قبل أي شيء آخر بضرورة إجراء تقييم للإثر البيئي فضلاً عن انه ملزم قانوناً (فانون حماية البيئة) وكان من المفترض أن ترفع وزارة الأشغال، وهي ملزمة بذلك، إلى وزارة البيئة طلب سحب الرمل المقدم من المستثمرين قبل إعطاء الموافقة، بحسب ما ذكر. هناك أسئلة لا يمكن الإجابة عليها ولا يجدر أن تكون موضع إجتهاد، بل يعطى لإهل التخصص النظر فيها من زاوية علمية للبحث في حلول مستدامة. هذه قضية بيئية بإمتياز كما أنها قضية تتعلق بالأملاك البحرية العامة وهي ليست قضية رمول ممكن إزالتها كيفما كان ونقلها إلى إي مكان، كل هذا ينبغي أن يخضع للدراسة والتقييم، والأهم من وجهة نظرنا البحث جدياً في إستعادة الشاطئ هويته الطبيعية وهو أفضل الحلول المستدامة”.
ولفت يونس إلى أن “النقاشات في لبنان التي تتناول القضايا البيئية والمشاريع التي تخص البيئة تتجاوز عامل أساسي للغاية وهو التغير المناخي وتداعياته مشيراً إلى تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الذي أشار إلى إرتقاع مستوى البحر كأحد أهم التداعيات والتي لا تلحظ كفاية في المخططات التوجيهية والمشاريع التي تتناول المناطق البيئية وهو ما يسهم في إضعاف المواقع والبنى الطبيعية ويعرض المجتمعات المحلية لمخاطر لا حصر لها خاصة في المناطق المعرضة أو تلك ذات الطبيعة الهشة”.
فاديا جمعة