من قارة إلى أخرى، انتقل بحثاً عن لقمة عيش كريمة، عمل موظفاً في إحدى الشركات، قبل أن يفرح منذ أشهر بافتتاح محلٍّ للخرضوات مع شريك له، لكن في لحظة انتهى كل شيء، بعدما أصيب برصاصة في رقبته يوم امس أطلقها عليه لصٌّ وهو في طريق عودته إلى البيت… هو محمد خشن وحيد والديه على ثلاث شقيقات، الذي لفظ آخر أنفاسه في أنغولا لينضمّ الى لائحة الموت في بلاد الاغتراب.
وصية الضحية
قبل ساعات من الجريمة المروّعة، اتصل ابن التاسعة والعشرين ربيعاً بوالده محمود، تبادلا أطراف الحديث، فطلب منه والده كما قال لـ”النهار”: “الانتباه لنفسه، ليطلعني انه يقوم بشراء بضاعة، خاتما بالقول (دير بالك على حالك بابا)”، ليأتي الخبر الكارثي بتعرض الشاب الطموح لعملية سطو انتهت بمقتله. وشرح الوالد المفجوع بكلمات ممزوجة بالدموع انه “عند الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر امس، كان محمد يجلس في المقعد الأمامي في السيارة متوجهاً من عمله الى منزله ومعه شريكه وصديقه، في الطريق كان يتحدث على الهاتف مع صديقه، أطلعه ان لصّين على دراجة نارية يلحقان بهم، قبل أن يطلقا النار ويصاب محمد برصاصة في رقبته أنهت حياته على الفور”.
“شهيد لقمة العيش”
حاجة محمد (من بلدة السماعية) الى تأمين لقمة عيش كريمة هي التي دفعته، بحسب والده، إلى “اتخاذ قراره قبل سبع سنوات بحمل حقيبته ومغادرة لبنان الى انغولا”. وأضاف: “كان يعمل في بلده محاسباً، وفي أنغولا بدأ حياته المهنية في المجال نفسه، ولأن طموحه كبير، افتتح قبل نحو خمسة أشهر محلاً للخرضوات مع شريك، لأنه رفض فكرة بقائه موظفاً مدى الحياة. كان هدفه أن يصبح رجل أعمال، لكن قطّاع الطرق أنهوا حلمه، بعد أن اعترضوا المركبة التي كان في داخلها”، لافتا إلى أن “محمد شهيد لقمة العيش، وحتى اللحظة لم يتم توقيف أي من الجناة والتحقيق مستمر”.
انتهاء الحلم
“محمد صديقي وليس فقط ابني، حلمت بأن أزفّه عريساً لأرى أحفادي، أنهيت بناء بيت له، طلبت منه اختيار شريكة العمر لأفرح به. وبدلاً من أن أنتظر عودته لتحقيق ذلك بعد أن ودّعته في شهر رمضان الماضي على أمل اللقاء عمّا قريب، ها أنا اليوم أعمل على إنجاز أوراق عودة جثمانه الى وطنه ليلتحف ترابه”، قال محمود متابعاً: “قضية محمد تعني كل لبنان، ولو أن الدولة تعمل على تأمين حياة كريمة لمواطنيها، لما اضطر أبناؤنا إلى حمل حقائبهم والهجرة، ولما خسرنا فلذّات أكبادنا وهم بعيدون من أحضاننا”.
اللائحة تطول
جريمة قتل محمد ذكّرت بالجريمة التي راح ضحيتها رجل الأعمال اللبناني أمين بكري السنة الماضية، بعد أن أنهى جولته في معمل الفرش الذي يمتلكه في أنغولا. ركب سيارته مع صديقه وانطلق، من غير أن يتوقع أن عصابة سرقة ونهب تنتظره على بعد أمتار. ثلاثة شبان هاجموه بمسدس حربي على طريق ترابية في القارة الأفريقية، طرق أحدهم على الزجاج، حاول بكري الاستمرار في القيادة، لكن في لحظة كسر المجرم الزجاج مطلقاً رصاصة أصابت رجل الأعمال في رأسه، لينقل على إثرها إلى المستشفى ويفارق الحياة. كما خسر لبنان قبل أيام توفيق عيدي وابنه راجح في مدينة جوهانسبرغ في جنوب افريقيا بعد أن تعرضا لعملية سطو مسلح داخل محل للدهان والخردوات … لائحة ضحايا القتل في بلاد الاغتراب تطول. فإلى متى سيدفع اللبنانيون ثمن بحثهم عن لقمة عيشهم وتأمين مستقبل أفضل؟
أسرار شبارو – “النهار”