” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ”
عن رسول الله (ص): ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمنّي؛ ولكن ما خلص في القلب وصدّقهُ العمل . الإنسان بفطرته يؤمن بالله سبحانه، والأديان والكتب السماوية هدفها إخراج الناس من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان واليقين، وجاء الإسلام خاتماً للأديان، أنزل الله سبحانه القرآن على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص) لسكّان الأرض من الجن والإنس، فمن اتبعه كان من الفائزين في الآخرة، ومن تركه كان من الخاسرين، قال تعالى ” وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ”
في بداية الدعوة كان رسول الله (ص) يدعو الناس لأن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّه رسول الله، وترك عبادة الأصنام، وأمرهم باتباعه في كل ما يدعوهم إليه، التزاماً بقوله تعالى ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” فمن التزم بما جاء به رسول الله (ص) قولاً وعقيدةً وفعلاً، صار مؤمناً، أما من التزم بالإسلام ظاهراً فنطق بالشهادتين ولم ينكر بقوله ضرورة من ضروريات الإسلام، وخالف بعض أحكام الإسلام؛ يكون مسلماً، وقد يكون في الآخرة من الخاسرين، قال تعالى ” قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” لإثبات إسلام إنسان يكفي أن ينطق بالشهادتين، أما الإيمان – كما ورد تعريفه -: هو اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان . يعني أن يعتقد الإنسان بالحق ويعمل بالحق، وإن كان ينطق بالحق ولا يعمل به سُمّي منافقاً وعاصياً، قال تعالى ” كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ” تؤكّد هذه الآية أنّ الإيمان ليس مجرّد كلمة تُقال، بل هو التزام يُجسّد التطابق بين القول والفعل، حتى لا يكون ممقوتاً ومبغوضاً وبعيداً عن رحمة الله سبحانه .
قبل أن يكون الإنسان مؤمناً لا بد وأن يكون يكون مسلماً، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، عن الإمام الصادق (ع): الايمان هو الاقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الايمان، ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان، داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.
كل فرد يمكنه أن يكون مؤمناً ومسلماً في نفس الوقت، بأن يملأ حبُ الله قلبه، فلا يرتكب مخالفة، لكن إذا لم يدخل الإيمان قلبه، وامتلأ قلبُه حباً للدنيا؛ فإنه يخرج من الإيمان، ويبقى مسلماً، فهو محفوظ دمه وماله وعرضه، لكنه في الآخرة من الخاسرين، إلاّ إذا تاب واستغفر الله فيدخل في ربقة الإيمان، في رواية عن يونس – أحد أصحاب الإمام الرضا (ع)- قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الايمان والاسلام فقال: قال أبو جعفر (ع): إنما هو الاسلام، والايمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شئ أقل من اليقين، قال: قلت فأي شئ اليقين؟ قال: التوكل على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله. وعن الإمام الصادق (ع) قال: الاسلام يحقن به الدم، وتؤدى به الأمانة، وتستحل به الفروج، والثواب على الايمان.
الإيمان لا يكون بكثرة الصلاة والصوم والحج؛ بل كل هذه العبادات مع الصدق والأمانة والتحلي بالأخلاق الحسنة، عن رسول الله (ص) قال: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل؛ ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة . قال تعالى ” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ “، فالمؤمن هو الذي يعتقد بوجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، الخالق لهذا الكون وما فيه، وأنه لم يخلق دار الدنيا فقط؛ وإنما خلق الآخرة، حيث يقوم الناس لرب العالمين، فيحاسبهم ويسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، وعن عقيدتهم وإيمانهم، فالدين عقيدة وعمل، ومن يؤمن بيوم الحساب لا بدّ وأن يُحاسب نفسه عند كل صغيرة وكبيرة، قال تعالى ” فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” وقال تعالى ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ “، فمن آمن بالله واليوم الآخر، وآمن بالرسل وبما جاؤوا به، وانعكس ذلك على قوله وفعله؛ فهو مؤمن عند جميع الفرق الإسلامية، ما عدا مذهب أهل بيت النبوة (ع) الذي يعتبر أنّ إيمان الإنسان لا يمكن أن يكون كاملاً دون الاعتقاد بولاية وإمامة أهل بيت النبوة (ع)، وهذا ما يعبّرون عنه [الإيمان بالمعنى الخاص]، انطلاقاً من قول رسول الله (ص) في حديث الثقلين، الذي يؤكد على أنْ لا نجاة إلاّ بالتمسك بالكتاب والعترة، وكثيرة الروايات عن النبي (ص) التي تأمر المسلمين بالرجوع إلى علي (ع)، ونص الأئمة من بعده (ص)، فالإيمان بإمام الزمان شرطٌ في قبول الأعمال، ولا يكفي ادّعاء التشيّع وأنه يُغفر له، عن جابر عن الإمام الباقر (ع) قال: قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول: أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول الله فرسول الله (ص) خير من علي (ع) ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل [وأكرمهم عليه] أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع.
في الرواية أن الإمام الصادق (ع) قال لأحدهم يدّعي التشيّع: ما أقل والله من يتّبع جعفراً منكم، إنما أصحابي من اشتد ورعه وعمل لخالقه ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي . وعنه (ع) أيضاً: شيعتنا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا . وعن الإمام الباقر (ع) قال: رحم الله عبداً من شيعتنا حبَّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم. أما والله، لو يروون ما نقول، ولا يحرّفونه، ولا يبدّلونه علينا برأيهم، ما استطاع أن يتعلَّق عليهم بشيء، ولكنَّ أحدهم يسمع منّا الكلمة، فينيط عشراً ويتناولها برأيه. رحم الله من سمع ما يسمع من مكنون سرّنا، فدفنه في قلبه.ثم قال: والله، لا يجعل الله من عادانا ومن تولاّنا في دار واحدة .
إنّ مفهوم التشيّع هو مفهوم الإسلام المحمّدي الصافي الأصيل، الذي لا تشوبه شائبة، لأنّ التشيّع كما ورد عن الأئمة (ع)؛ هو طاعة الله وولايته والتقوى،: من أطاع الله فهو لهم ولي، ومن كان لله عاصياً ومخالفاً فهو لهم عدو، حتى لو تشيّع لهم، عن جابر قال: إن أناسا اتوا ابا جعفر عليه السلام فسألهم عن الشيعة هل يعود غنيهم على فقيرهم وهل يعود صحيحهم على مريضهم وهل يعرفون ضعيفهم وهل يتزاورون وهل يتحابون وهل يتناصحون فقال القوم وما هم اليوم كذلك فقال أبو جعفر عليه السلام ليس هم بشئ حتى يكونوا كذلك.
إنّ ادّعاء التشيّع لأهل البيت (ع) لا يكفي للنجاة في يوم القيامة، بل يحتاج إلى عمل، كما صرّح المعصومون (ع)، من أنّه لا توجد عندهم براءة لأحد بدون عمل وورع وتقوى، وليس لهم على الله سبحانه حجة، فالمؤمن الحقيقي والشيعي الحقيقي هو الذي يعمل بطاعة الله سبحانه، فيعمل بعمل أهل البيت (ع)، ويُحبّب أهل البيت (ع) للناس بسلوكه وعمله، فإن كان كذلك وقيل هذا شيعي؛ فهذا يُفرح الإمام (ع)، وإن كان يدّعي التشيّع ويُسيء في عمله؛ وقيل هذا شيعي، فإنّ هذا يجلب الحزن والهم لقلب الإمام (ع) أرواحنا فداه .
إننا نتمنى أن تكون الأجواء الإيجابية السائدة اليوم والتي تؤشر لقرب تشكيل الحكومة العتيدة صادقة، لأن دقة المرحلة تتطلب من الجميع أقصى حالات التآلف بين جميع أطياف الشعب اللبناني.
ونأمل أن تستمر هذه الأجواء ليتم الاتفاق على بيان وزاري يحافظ على انجازات أبناء الوطن ووحدتهم بثلاثيته الماسية الجيش والشعب والمقاومة.
إن مسرحية الأنفاق على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة هي من تأليف حكومة العدو وإخراج أمريكي لتبرير فشل المشروع الأمريكي الذي انتهى أو كاد بإعلان ترامب انسحابه من سوريا. ونختم مناشدين الشعوب العربية إلى توخي أقصى درجات التوحد والوعي في مقابل ما يقوم به المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة الذي لا هم له سوى محاصرة محور المقاومة والحفاظ على أمن الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة.
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]