يا مكفّنًا بالصّمتِ إلى الأبدِ، أعرفُ أنّكَ لن تستطيعَ الرّدَّ، ولكنّي لن أتردّدَ في مناداتِكَ: يا علي، يا حبيبي يا علي.
أيّها المشرقُ رغم المغيبِ، الصّامدُ على كتفِ العزّةِ والشّموخِ، الحاضرُ في حنايا وجداني، الحيُّ في أروقةِ قلبي، الخالدُ في خلايا ذاكرتي، السّاكنُ في أزقّة شراييني، اسمحْ لي بأنْ أقرأَ لعينَيْكَ سورةَ الوفاءِ، فأستمدَّ منكَ الصّبرَ، والقوّةَ، والعزيمةَ.
أيّها القمرُ السّاطعُ رغم ظلمةِ القدرِ، لقد أخذَ اللهُ معكَ كلَّ سعادةٍ وفرحٍ وسرورٍ، تاركًا لي حرقةً في قلبي لا تنطفئُ، وكسرًا في ظهري لا يجبرُ، وفيضًا من الدّمعِ لا ينضبُ، وغصّةً في حلقي لا ترتوي، وجرحًا في صدري لا يلتئمُ.
خسرتُكَ أخًا عظيمًا محبًّا، وصديقًا مخلصًا وفيًّا على الأرضِ، ولكنّي ربحتُك ملاكًا في الجنّةِ، وشفيعًا يومَ القيامةِ.
يا قمرَ الجنوبِ، أحسدُ التّرابَ الّذي يضمُّ جثمانَكَ الطّاهرَ، وأغارُ من الكفنِ الّذي يلفُّكَ بقماشِهِ، فلا التّراب أحقّ منّا بكَ ولا الكفن.
يعصفُ بيَ الحنينُ، يا علي، إلى ابتسامتِكَ الخجولةِ الّتي تفوقُ الياسمينَ براءةً وجمالًا، ويقتلُني الشّوقُ إلى عينَيْكَ البرّاقتَيْنِ اللّتين تضاهيانِ السّماءَ طهرًا ونقاءً.
كم كنتَ صادقًا أمينًا، ومؤمنًا تقيًّا، ومعطاءً كريمًا، وشجاعًا حليمًا، فيكَ من صفاتِ العبّاس ما تضيقُ بها الكتبُ، ويقزمُ أمامَها الكلامُ!
أبكيكَ، يا علي، بدموعٍ من دماءٍ، فما أصعبَ أن ندفنَ قلبَنا تحتَ الثّرى ونظلَّ أحياء! ولكنّي واثقٌ، يا أخي، بأنّك سعيدٌ حيث أنتَ، فقد حقّقْتَ مرادَكَ، وفزتَ فوزًا عظيمًا.
يا أخي الصّغيرَ في العمرِ الكبيرَ في المقامِ، شأنُكَ عظيمٌ، ومرتبتُكَ عاليةٌ. أنتَ على التّرابِ مخضّبًا بدمائِكَ أجملُ من ألفِ وردةٍ جوريّةٍ، وأنتَ في اللّحدِ ممدّدًا أكثرُ حرّيّةً من نورِ الشّمسِ.
رحلتَ، يا علي، وأخذتَ معكَ كلَّ فرحةٍ وسعادةٍ، ولكن، واللهِ، ما رأيتُ باستشهادِكَ إلّا جميلًا، وفخرًا، وعزًّا. فرغم اللّوعةِ، والحرقةِ، والحزنِ الّذي خلّفَهُ استشهادُكَ في نفسي، لا أستطيعُ إلّا أنْ أفرحَ حدَّ النّشوةِ بكلِّ انتصارٍ يحقّقُهُ رفاقُكَ في حزب الله ضدَّ الإرهابيّينَ في سوريا والعراق، وبكلِّ رايةٍ صفراءَ يرفعُها زملاؤُكَ فوقَ تلّةٍ أو قمّةِ، وبكلِّ ضحكةِ مجاهدٍ عائدٍ بخيرٍ وسلامةٍ إلى بيتِهِ وأهلِهِ.
نعدُك، يا أخي، بالتّمسّكِ أكثرَ فأكثرَ بنهجِ حزب الله، والسّيرِ على خطاكَ، وبذلِ كلِّ نفيسٍ وغالٍ في سبيلِ الدّفاعِ عن الحقِّ ومقاومةِ أعدائِهِ. فدماؤُك أمانةٌ في أعناقِنا، تزيدُنا عزمًا وإرادةً وصلابةً، لنُكملَ دربَكَ إلى جانبِ رفاقِكَ في حزب الله.
عهدٌ علينا، يا علي، أنْ نبقى نردّدُ في كلِّ السّاحاتِ، وفي كلِّ الميادينِ، وفي كلِّ المجالسِ، وعلى كلِّ المنابرِ: لبّيك نصر الله، لبّيك نصر الله، لبّيك نصر الله.
وعهدٌ علينا، يا علي، أنْ تبقى صرختُنا الوحيدةُ في كلِّ السّاحاتِ، وفي كلِّ الميادينِ، وفي وجهِ الأعداءِ والخونةِ والمتآمرينَ: هيهات منّا الذّلّة، هيهات منّا الذّلّة، هيهات منّا الذّلّة. نحنُ قومٌ أعزّنا اللهُ بحزبٍ قائدُهُ نصر الله، ورجالُهُ رجالُ اللهِ، فإذا ابتغَيْنا العزّةَ بغيرِهِ، أذلَّنا اللهُ.
لعنَ اللهُ مَنْ موّلَ، وخطّطَ، ودرّبَ، وسلّحَ، وأرسلَ الأنجاسَ لقتالِكم يا رجالَ اللهِ. ولعنَ اللهُ مَنْ صوّبَ، وسدّدَ، ورمى نحوَكم يا رجالَ الله. ولعنَ اللهُ أمّةً تآمرَتْ عليكم، أو سمعَتْ بذلكَ، فرضيَتْ بِهِ.
أيّها الأشقرُ الصّغيرُ الملتحفُ بترابِ النّميريّة، واللهِ، إنّ حذاءَكَ المضمّخَ بالتّرابِ لأطهرُ وأنظفُ وأرفعُ من رؤوسِ المتآمرينَ على المقاومةِ ووجوهِهم، وإنّ بذلتَكَ المضرّجةَ بالدّماءِ لأقدسُ وأشرفُ من ثيابِهم الملوّثةِ بالعمالةِ والخيانةِ والغدرِ.
أيّها العصيُّ على النّسيانِ رغم مرورِ الزّمنِ، سأخبرُ عنكَ أولادي وأحفادي وجميعَ النّاسِ الّذين سألتقي بهم في حياتي، سأخبرُهم عن أخي البطلِ الشّجاعِ الّذي استشهدَ في سبيلِ اللهِ والحقِّ، ليشتريَ لهم بدمائِهِ ودماءِ رفاقِه الشّهداءِ وطنًا ينعمونَ فيه بالسّلامِ والأمانِ. وسيبقى قبرُكَ في النّميريّة محجًّا لي ولأولادي وأحفادي ما بقيْنا وبقيَ اللّيلُ والنّهارُ.
يا علي، يكفيني فخرًا أنّك أخي، يا مَنْ تفوقُ الياسمينَ جمالًا، والأرزَ شموخًا، والنّجومَ رفعةً، والقمرَ بهاءً، والجنوبَ كرمًا، وجبلَ عامل عطاءً.
خائنٌ مَنْ يُنكرُ فضلَ دمائِكم شهداءَنا، نجسُ مَنْ يتطاولُ على هاماتِكم المرفوعةِ محاولًا الوصولَ إلى نعالِ أحذيتِكم، دنسٌ مَنْ لا يخجلُ أمامَ تضحياتِكم وتضحياتِ عائلاتِكم ودموعِ أمّهاتِكم، وقذرٌ مَنْ يتآمرُ على حزبِكم، وعلى قادتِكم ورفاقِكم.
أحبَّ اللهُ مَنْ أحبَّكَ حزب الله، وأبغضَ اللهُ مَنْ أبغضَكَ، وعادى اللهُ مَنْ عاداكَ.
أللّهمّ، ارحمْ شهداءَنا، واحفظْ مجاهدينا بعينِكَ الّتي لا تنامُ، وثبّتْ خطاهم، وسدّدْ رميَهم، وأَعِنْهم ولا تُعِنْ عليهم، وقوِّ عزيمتَهم، وردَّ عنهم كلَّ شرٍّ ومكروهٍ وأذى، وانصرْهم على أعدائِهم المنظورينَ وغيرِ المنظورينَ، ورُدَّهم إلى بيوتِهم وعائلاتِهم سالمينَ ظافرينَ، لأنّهم الأملُ، والرّهانُ، وحماةُ عزّتِنا وكرامتِنا، ومصدرُ فخرِنا واعتزازِنا.
سركيس الشّيخا الدّويهي