الرئيسية / ثقافة عامة / فوبيا الانتظار

فوبيا الانتظار

غوى قصير |
وقفت أمام المرآة تتحايل على مشاعرها لتُقنع قلبها بالتروّي وهي تسترجع كلماتهُ التي سقطت في عمقِ ذاكِرتها فأحدثت صوتًا عميقًا أعاد ترتيب أشياء لعلّها كانت تفتقدها.
يبدو أنّ لقاءهما الأوّل قد حان وقته وهو من قام بتحدّيد موعد القلب بعد أن نطق أخيرًا بسؤالهِ: “هل ألقاكِ غدًا؟”.
هو لم يكن لديهِ أدنى فكرة عما يسمّى “فوبيا الانتظار” وعن كمّ السيناريوهات التي كتبَتها غيبًا فالتقت به مئات المرّات قبل سؤاله هذا. استسلمت وهي تقف أمام خزانة ثيابها، هي لم تعِش هكذا حيرة من قبل، ارتدت كلّ الأثواب وجرّبت الموديلات كافّة ولكنّها عجزت عن الاختيار، لقد كان خيارًا صعبًا، فهي أرادت أن تظهر بأبهى صورها أمامهُ، هذا العجز البسيط أربكها فارتجفت أطرافها وشعرت بوخزة تتلوها أخرى في أعلى معدتها وشعرت بنبضات قلبها المُتسارعة تدقّ كصافرةِ إنذار! بعد مرور نصف ساعة من الوقت تقريبًا هاتفت صديقتها كي تنقذ تحيّرها وأرسلت لها مجموعة من الصور وقالت لها: “اختاري أنتِ ما يليق بصديقتكِ”، بعد مشاوراتٍ بسيطة اتّخذت قرارها بارتداءِ شيءٍ بسيطٍ يليق بلقاءٍ عفويٍّ، هي لا تريد أن تبالغ في مظهرها وكأنّها مدعوّة إلى حفلِ عشاءٍ سنويٍّ تُقيمه جمعيّة خيريّة! وقفت للمرّة الأخيرة أمام مرآتها وألقت بنظراتها على قعر قلبها فشعرت به وهو يرتعش، ضحكت وهي تحدّث نفسها قائلة: “لقد بلغتِ من العمر خمسة وعشرين عامًا وها أنتِ ذاهبة لموعدكِ الأوّل دون تردد ودون استشارات تُجريها بينكِ وبين عقلكِ الذي لطالما رفض هكذا فكرة “.
صعدت إلى السيّارة وثبّتت كلتا يديها الحائرتين كي تتحكّم بالقيادة لتصل إليه معافاة، حاولت أن تشغل عقلها وكلّ حواسها حتّى لا تقتلها الدقائق القليلة التي تفصل بينهما. وصلت أخيرًا بعد أن تآمرت عليها الزّحمة فأرسلت له رسالة هاتفية لتخبره بوصولها، هاتفها على الفور قائلًا: “أنا في طريقي إليكِ، انتظريني بضع دقائق إضافيّة”. مرّت الدقائق الخالية من الصبر بصعوبةٍ ولكنّها تجاوزت كلّ شيء عندما أقبل بقامتهِ الممشوقة وهو يتجه نحوها بخطواتٍ ثابتة وابتسامة ظهرت بانسيابٍ غريبٍ وهو يلقي سلامهُ عليها. هذه المرّة الأولى التي تُصادف ملامحهُ عن كَثَبَ، لقد احتفظت فقط بصورةٍ له كان قد نشرها ذات يوم على صفحته الشخصية. جلسا جنبًا إلى جنب فاسترقت بعض النظرات إليه دون علمهِ أو لعلّهُ لاحظَ ارتباكها فلم يشأ أن يخدش حياءها، تكلّم أخيرًا بطريقةٍ عفويّةٍ كي يكسر الصمت الذي فرضته هيبة اللقاء الأوّل، وعندما حان دورها لكي تكون شريكة هذا الحديث خرج صوتها مرتجفًا معاندًا الصمت والخجل، ساعة ونصف من الأحاديث والضحك المتواصل، لقد كان لهُ الحصّة الأكبر من الكلام، أنصتت إليه وحده كما لو أنّ الكرة الأرضيّة قد توقّفت حينها عن الدوران، لم تسمع يومها إلاّ صوته رغم الضجيج الذي كان يلفّ المكان من حولهما، لقد أخذها الوقت منها إليه وعندما حان موعد رحيلهما ظنّت أن ما جمعهما لم يتعدّ الدقيقة ونصفها ولكنّها أخطأت التقدير هذه المرّة. ودّعا بعضهما بعضًا قائلًا جملتهُ الأخيرة: “انتبهي لنفسكِ” وبدت لها الجملة وكأنّه قال: “أحبّك” للمرّة الأولى. افترقا بعدها إلى موعدٍ لاحقٍ لم يُحدّد حتّى هذه اللحظة!
لم يكن الخوف يومًا صديقها ولكنّ “فوبيا الانتظار” ظلّت تلاحقها حتّى صارت صديقة ظلّها.

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم