المجارير بجانب الآبار
جالت كاميرا “المدن” على منطقة وادي جيلو، حيث توجد الآبار الأرتوازية التابعة لمصلحة مياه الجنوب، والتي تغذّي جميع قرى قضاء بنت جبيل بمياه الشفة. وتبيّن أنّ “الساقية” التي تجرّ مياه الينابيع، التي تذخر بها المنطقة، وأهمها “عين الساعور”، حسب أحد أبناء تلك المنطقة، استحالت “مجروراً” يروي البساتين الكثيرة المنتشرة في المنطقة، والأخطر من ذلك مرورها على بعد نحو مترين من تلك الآبار الأرتوازية، التي يشرب منها أهالي قرى بنت جبيل.
وبعد معاينة لتلك “الساقية” تبيّن، أن مصدر هذا التلوّث متأتٍّ من تحويل مجاري الصرف الصحّي لبلدية جويّا إلى تلك “الساقية”، حسب أهالي المنطقة.
إلى ذلك، أكّد أحد أبناء المنطقة الذي يعمل في مجال حفر الآبار، أنّ خطورة هذه المسألة تكمن في إمكانية تسرّب المياه السطحية (المجارير في هذه الحالة) إلى أعماق الأرض وصولاً إلى الآبار، حتى لو كان عمقها يصل إلى نحو ثلاثمئة متر. فالمياه السطحية تلحق بالمسارب أو بنقاط الضعف في طبقات الأرض وصولاً إلى المياه الجوفيّة.
“كنا ونحن صغاراً نسبح في هذه الساقية ونشرب منها”، يقول أحد المواطنين، شاكياً من مدّ شبكات الصرف الصحيّ لبلدية طير دبّا إلى تلك الساقية، التي تمتدّ أكثر من 15 كيلومتراً في أودية تلك المنطقة وصولاً إلى البحر بمحاذاة بلدة العبّاسية، حيث تتلاقى مجاري الصرف الصحي لتك البلدة مع الساقية، ومسارها إلى مشروع تكرير المياه المبتذلة، الذي ما زال قيد الإنشاء منذ سنوات عدّة.
شكراً كوريا
في الطريق الممتدّة من صور إلى وادي جيلو، حيث الكارثة البيئية، تستقبلك لافتة كُتب عليها “شكرا كوريا”، على بوابة بلدة طير دبّا. فالكتيبة الكورية التابعة لقوّات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، اتخذت لها مقرّاً على سفح الجبل المطلّ على الطريق العام، وعملت في السنوات الفائتة على مدّ شبكة مجاري الصرف الصحّي، تقرّباً من أبناء تلك البلدة، كما شرح لـ”المدن” عدد من الرجال المتجمعين في أحد متاجر المنطقة. ربما تلك العبارة الشاكرة لكوريا، لا تمتّ إلى أهالي البلدة بصلة، وكتبها أحد المتحمسين تيمّناً بعبارة “شكراً قطر” التي رفعها أهالي الجنوب بعد عدوان العام 2006. غير ذلك سيبدو من غير المنطقي تقديم الشكر إلى أي دولة تعمد إلى مدّ شبكات صرف صحّي تنتهي جميعها في تلك الساقية التي تمرّ بمنطقة تتمتّع بكثرة المياه الجوفية والآبار، التي تستخدم للشرب ولري المزروعات، من دون تدشين محطّة للتكرير. إذ ما زال أهالي المنطقة يثابرون على العمل في القطاع الزراعي، ويزرعون الحمضيات، وأشجار الموز، والخضروات بأنواعها كافّة، رغم الحال المزرية التي يعاني منها مزارعو المنطقة.
إقفال المطمر
وبعيدا من تعمّد البلدات (جويّا، والبازورية، وطير دبّا…) المشرفة على تلك الساقية مدّ مجاري الصرف الصحي إليها، وما يلحق الأمر من تلوّث للمياه الجوفية، والبيئة بشكل عام، وما يرافقها من انبعاث للروائح الكريهة، كانت بلديتا البرج الشمالي وطير دبّا قد أنشأتا في السنوات الفائتة مطمراً للنفايات في خراجها، تبيّن لاحقاً بعد عمليات الجرف وطمر النفايات، وجود “عين مياه”، اسمها “شيرناي”، كما قال أحد أبناء المنطقة. وقد أدى الأمر إلى تلوّث المياه الجوفية، وإلى خروج مياه النبع الممزوجة بعصارة النفايات على جوانب الطرقات نزولاً إلى تلك الساقية السابقة الذكر. وقد عمد الأهالي والناشطون البيئيون إلى تنفيذ اعتصامات عدّة، وصولاً إلى إقفال المطمر منذ نحو أربعة أشهر، وتحويله إلى مرآب، كما أكّد أبناء المنطقة. ولم ينته الأمر بخروج المياه المبتذلة إلى بساتين المنطقة بل أدّى تسرب التلوّث إلى المياه الجوفية وصولاً إلى أحد الآبار الارتوازية الذي يستخدم لبيع المياه المكررة لسكّان المنطقة ولري المزروعات. وتعويضاً عن هذا الضرر الذي لحق بصاحب البئر، تمّت مساعدته لحفر بئر أخرى، تبين لاحقاً أن مياهها ملوّثة أيضاً.
المجارير في “الحنفيّات”
على أن ما هو ملحّ حالياً لأبناء المنطقة، ليس معالجة تلوث المياه والآبار الأرتوازية التي تستخدم لريّ البساتين الممتدة بين طير دبّا والعباسية، مروراً ببعض بلدات المنطقة، والطريق الساحلي، وصولاً إلى البحر، بل تسرّب “المجارير” من بلدة جويّا. لكون الأخيرة تمرّ بجانب الآبار الارتوازية التي تغذّي قرى قضاء بنت جبيل بمياه الشفة. فهذه المشكلة الخطيرة حديثة العهد كما أكّد بعض سكّان بلدة يانوح، في وادي جيلو. وإذا كان أهالي صور، حيث تمرّ المياه المبتذلة، قد اعتادوا على ري مزروعاتهم بها، في ظلّ عدم وجود حلول بيئية مستدامة، فعاجلاً أم آجلاً سيستفيق سكّان قضاء قرى بنت جبيل على مياه الصرف الصحي داخل “حنفيّات” المياه التي يشربون منها، في حال لم يسارع المسؤولون إلى وقف هذه الكارثة البيئية والصحّية.
المقال (وليد حسين – المدن)