الرئيسية / ثقافة عامة / فكر المجتمع المجازي بين الشخصانية المفرطة في ظلال الدوغمائية و سياسات التخويين

فكر المجتمع المجازي بين الشخصانية المفرطة في ظلال الدوغمائية و سياسات التخويين

حسن شرف الدين |

مقدمة بسيطة على الهامش

“مرحباً ، مجددا، انا نفس ذاك الشخص ، شارب الشاي ، لست متخصصا في علوم الاجتماع ولا الانترپولوجیا ، و لست صحافیا و لا اعلامیا و لا امتلک مراکز مرتكزة و لا دراسات ولا بحوث.أدرس الهندسة الكيميائية رحالاً بين الفكر و الأدب و الحضارات من فينيقيا حتى بلاد السند.أنا المتجرد من أناي الأعلى ، المتمسك بالمبدأ ، لست أملك شيئا ، سوى ، قلماً ، و إبريق شاي ، و بعض الكتب و عقلاً مترنحاً ، و القليل من الجرأة كي اقول الحق و انقل الواقع كما هو .أعرف مثلي الكثيريين من هؤلاء الشباب المتمردين، الذين يكتنز بهم الوطن و تفقرهم السياسة و الإقطاع . أنا لا أدعي الملائكية ، و لا الجبهذية ، بل أتقبل النقد برحابة صدر . لذا اقتضى التوضيح

لطالما عاشت أوطاننا ، و الكثير من الأوطان ، على تقديس الإسم و اللقب . هذا القيد الذي يحصر المرء في جوفه و يعرف عنه من غير دليل . نعم اننا نعشق الألقاب و الاسماء ، و نُمجدها ، و بها نُشخص الناس و نمجدهم فنجعل هذا ملكاً و هذا وزيرا و هذا زعيم .
المنطق يقول لا تقرأ الكتاب من عنوانه ، أنا اقول لا تقرأ الشخص من اسمه ، لا تقرأ الشخص ، إقرأ القضية ، فالشخص وسيلة و الأصل هو الفكر. لماذا عليّ أن أحب احدهم لأنه ابن فلان و أن امتدحه و أغبطه و هو لا يشبه هذا الفلان و لم يتجرع منه ما بالأصل جعل منه فلانا ، فكره و أدبه .
لماذا نخشى من أن نقول للموّرثين أبناءهم من غير دليل ما قدموه على انه انجازا وطنيا او علميا ، انكم لستم اتباع فكر بل انتم الاقطاع و انتم المتمسكون بالشعوبية و الشخصانية على الفكر و الكفاءة و النزاهة.
و بالمناسبة ، الشخصانية هي مفهوم و مصطلح نمارسه يوميا من غير ان نعلم ، و في كل حركاتنا و افعالنا اليومية لأننا تعودنا ذلك و كبرنا على ذلك بعُرف و عادات مُتحجرة . الشخصانية ، هي أن تُكرّس الفرد بشخصه و ليس بفكره و علمه و يصبح الاتباع له متعلقًا بشخصه عوضًا أن الفكر الذي آتى به و طرحه و يصبح الاتباع أعمى عن غير تفكّر بل فقط اتباع لمجرد الإنتماء. و هذا المنطق هو ما يُضعف الحركة الثقافية و التكاملية للمجتمع حيث يصبح الفرد غير واعٍ لمجريات التغييرات الإجتماعية فلا يناقش أو يحلل، بل يصبح مجرد مُتلقٍ و باثٍ لما يُملى عليه. و هذا ما لا يرتضيه الإسلام و لا السنة النبوية ولا المنطق الإنساني ولا المجتمع الحديث المُفكر و المترنح بين ظلال التقدم العلمي و العادات و الموروثات و الطبقية و الدين و طرحه الصحيح من جهة أخرى. الصراعات الكامنة و الممتدة في هذا المجتمع ليس لها حد ولكنها قابلة للمنهجة. عندما يكون وجه المجتمع الثقافي هو حملات إعلامية من غير تعمق فكري-ولا أعمم إنما أطرح ما وُجد لحين من الزمن-فهناك خلل في نواة المجتمع لأننا نشهد ببغائية وليس طرح فكري و عملية تلقي و بث. عندما طرح شريعتي نظرته بين الإستعمار و الإستحمار، و عرض أن الإستحمار هو ما يأتي من الداخل من داخل المجتمع،عندما يكون غافلًا عن الوقائع المرتبطة به و متعلق بظاهر الأمور لا بجوهرها و هذا ما لا يخالفه فكر الولي الفقيه الذي عُرض في كتاب مشروع الفكر الإسلامي في القرآن، المأخوذ عن محاضرات لسماحة السيد علي الخامنئي عن مفهوم الثورة الذي ينطلق من القرآن.و في طرحه، يظهر سماحته و من خلال الآيات كيف أن الثورة الأولى تبدأ من الإنسان نفسه و من قناعاته و فكره للتغيير و أولها القراءة و التعمق بالفكر و من ثم إصلاح ما وصل إليه المجتمع من فساد و طبقية كان سائدة آنذاك. و الوضع الحالي ليس غريبا عما سبق، فنحن اليوم نغفل عن الوقائع المؤثرة و المفصلية التي تؤثر في أبعاد المجتمع و التي لا يمكن التغاضي عنها و هي حق أساسي لكل فرد فيه.جوهر الدين هو خدمة الإنسان و الرقي به و هذا يعني اصلاح المجتمع من كل جوانبه و الجانب المعيشي يحتل حيزًا كبيرًا من ذلك.فلذلك، على المجتمع أن يتقبل أفكار المواطنية التي لا تتعارض مع الإسلام فهي تفي المواطن حقوقه و تدعوه للمطالبة بها و هذا ما لا يتنافى مع إنتماء الإنسان و اعتقاده. الإسلام بدا بالدعوة للتفكر، و هذا التفكر هو ما يولد المطالبة و المساءلة، عندما تفكر مليًا في واقعك و مستقبلك و يكون لديك بعد النظر لا فقط سياسة التلقين و التلقي و البث . لا تعني المطالبة و رفع الصوت أنك خارج إطار الدين أو التكليف او أنك غير واثق بمرجعيتك السياسية، إنما هو قوة للتغيير و حافز للضغط و لإنجاح العمل.هناك من يمنع هذا النوع من التفكر و المساءلة و يحول قضمه و تحجيمه ب سياسات التخويين و التطرف الى ما يعيد الدوغمائية ويمنع تعدد وجهات النظر و الإختلاف و هذا ما يضعضع الحركة الاجتماعية و يضعفها فتتشربك القوى فيما بينها دون تقدم أو تغيير.فيُرفض النقد و يعتبر نوعًا من التخلي او الخيانة، و يُحوّل البعض الى مضللين أو مرتدين عن عباءة الدين و الانتماء التي يقوقعها هؤلاء في دوغمائيتهم.لا أفهم لماذا علينا الإنكفاء و الاختباء خلف أطر وضعناها بينما نستطيع النهوض و التغيير. لا أفهم لماذا إن انتقدت النائب أو الوزير او المسؤول على عمله تُجرّد من انتمائك. نحن اذًا نريد التغيير إنما لا نريد أن نغير ما بأنفسنا. لازلنا ننظر من الزوايا الضيقة للأمور و من ظاهرها من غير الإلتفات الى ما هو ابعد و جوهري. لا يمكنك أن تملي على الناس ما عليهم أن يفكروا به و ما عليه ان يكون وجهة نظرهم، عليك تقبل آراء الناس و وجهات نظرهم باختلافها و تنوعها و تقبل أن لهم الحق في النقد و المطالبة و المساءلة من دون أن يجعل ذلك منهم خونة و عملاء و ضلاليين.و النقد يستطيع أن يشمل الجميع ممن ليس لهم عصمة، و لا يعني الكره او البغضاء بل يجب ان يكون معلوم الهدف مباح الوسيلة. النقد سلاح سري و فعّال لنهضة المجتمع و لا يجب ان يقابل بالتخويين.
في الختام،لا بُد من التطرأ لمسألة و هي مهمة، أصول النقاش والحديث التي من الممكن ان تشكل علامة فارقة، إن لم تكن سبيلًا أيضا الى تقبل الناس و تقبل آرائهم و التفاعل مع تعدد وجهات النظر و استحضار البينة و الأهم فهم وجهة نظر الشخص الآخر قبل الخوض معه في جدال خاسر.

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسن

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم