رأى رئيس “لقاء علماء صور” ومنطقتها الشيخ علي ياسين العاملي في تصريح “أن التجربة الإيرانية الرائدة خير دليل على إمكانية اعتماد الدول على الذات وتحصين سيادتها داخليا وخارجيا، والارتقاء في مختلف المجالات من دون الانبطاح للدول المستكبرة، واستطاعت تقديم نموذج سياسي معتمد على الحرية والتحرر الكفيلتين برقي الإنسان”.
وأمل “أن يشعر المسؤولون في لبنان بالمصائب التي تحل بالوطن والمواطنين بسبب نهب المال العام، وإيقاع البلد تحت مديونيات ضخمة تهدد وجوده، فلا بد أن تكون هناك دراسة دقيقة للمشاريع وتكاليفها والإقلاع عن سياسة التلزيم بالتراضي وكشف المسؤولين عن الهدر ومحاسبتهم”.
وشكر ل”الجمهورية الإسلامية على كل ما قدمته وتقدمه وما تعرضه بجدية دون شروط أو التزامات للبنان شعبا وجيشا ومقاومة، داعيا “الرافضين لهذا الدعم الإيراني السخي لتقديم البديل للبنان واللبنانيين” .
خطبة الجمعة[النّصرُ الإلهي]
فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي 8-2-2019م
“إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”
نتقدّم بالعزاء من رسول الله (ص) والأئمة المعصومين (ع) ومن محبّي سيّدة النساء أم أبيها والحوراء الإنسية (ع) بذكرى استشهادها، سائلين المولى سبحانه أن يوفّقنا للاقتداء بها وتحقيق أهدافها بالالتزام بالإسلام المحمدي الأصيل .
بعث الله سبحانه نبيّه محمداً (ص) رسولاً إلى الناس كافة، وهادياً وبشيراً، بعد أن عمل اليهود على تحريف تعاليم الأنبياء، وخاصةً بما جاء به نبي الله عيسى (ع)، وساد القتل والظلم وعمّت عبادة الأصنام واستعباد المُستضعفين من الرجال، ودفن الإناث أحياء؛ دعاهم رسول الله (ص) إلى توحيد الله وترك عبادى الأصنام، والالتزام بمحاسن الأخلاق، حينها تعرّض (ص) وبنو هاشم للحصار في شعب أبي طالب، وكان عمّه أبو طالب حامياً له وكافله، لأنه كان مصدّقاً له، فصبر معه على الحصار، إلى أن خرج أبو طالب مُتحدّياً حصار قريش، لأن ابن أخيه (ص) أخبره بأن العهد الذي كُتب لحصارهم قد أكلته الأرضة، وبقي رسول الله (ص) على دعوته لتوحيد الله سبحانه، لم يُثنه ترغيب ولا ترهيب، لأنه مؤمن بالله سبحانه، وواثق بنصره على المشركين، وأنه سينجو منهم، وقد قال لعمّه مؤمن قريش حينما ذكر له عرض قريش: والله يا عم لو أعطوني القمر في يميني والشمس في يساري؛ ما تركت هذا الأمر، أو أهلك دونه .
وبعد هجرته إلى المدينة المنوّرة؛ بدأ تأسيسه لدولة الإسلام على التقوى والإيمان، وكان المسلمون ينتصرون في كلّ معاركهم، ولسان حالهم ما قاله عبد الله بن رواحةعند مواجهة الروم، وقد بلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من العرب المتنصرة من بكر ولخم وجذام وغيرهم فاقاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم هل يبعثون لرسول الله ص ويخبرونه بعدد عدوهم فاما أن يمدهم أو يأمرهم بأمر فيمضوا له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال يا قوم والله أن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة .
لأنه على يقين أنّ النصر سيكتب للمسلمين بإذن الله سبحانه، لأنهم في مواجهة العدو ينسون الدنيا وملذّاتها، ولا يرون إلاّ الجنّة، وهم واثقون بالنصر، لأنهم حققوا الأسباب التي جعلها الله للنصر، وليقينهم بالقانون الإلهي ” وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّ “، وشروط النصر: 1- الإيمان ” وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ “، وقال تعالى ” إِنَّالَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ” . 2- العمل الصالح؛ قال تعالى ” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ” . 3- التقوى؛ قال تعالى ” إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ” . 4- المداومة على ذكر الله والتوسل به؛ قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” . 5- موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه والتبري من الظالمين؛ قال تعالى ” وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ” . 6- والمهم أن يعدّوا ما يستطيعون من عدّة وعدد، ويتوكلوا على الله ويصبروا في المواجهة وتكون قيادتهم حكيمة، فالنصر يكون حليفهم.
نعيش هذه الأيام الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية وإسقاط حارس مصالح قوى الاستكبار شاه إيران، الإمام الخميني ومنذُ أيام شبابه كان يقف ضد الأحكام الجائرة التي تصدرها حكومة الشاه بهلوي، وقد اعتقل عدّة مرّات، وبدأ نضاله العلني ضدّ قرارات الحكومة الإيرانية سنة 1962م، وأجبر نظام الشاه على التراجع عن لائحة قوانين انتخابية، لاشتراط إسلام المرشّح، وإسقاط حلف اليمين بالله وبالقرآن، حيث خطب خطاباً أمام الجماهير، ووقفت معه المراجع، وفي سنة 63 هاجمت قوّات الشاه المدرسة الفيضية في قم، حيث كان يخطب الإمام الخميني مطالباً بتطبيق شرع الله، يومها كانت المجزرة الكبرى، واعتقل الإمام الخميني، ولم تتركه السلطات إلاّ بعد أن تعاظمت المظاهرات في كلّ أنحاء إيران، وفي سنة 64 اعتقلته قوّات الشاه بعد أن ألقى خطاباً معارضاً، وسجن في تهران، ولم يجرؤ على إعدامه، فنُفي إلى تركيا، ومن هناك توجّه إلى النجف الأشرف التي أقام فيها أربعة عشر سنة متفرّغاً للتدريس الحوزوي والتواصل مع المؤمنين في إيران وخارجها، صابراً في كل تلك الفترة على مضايقات الحكومة العراقية التي كانت تُداري حكم الشاه في إيران، ورغم كل المضايقات والظروف؛ لم يهن أو يتراجع عن مشروعه بإسقاط الشاه وإقامة جمهورية إسلامية في إيران، وحدث أنه بعد وفاة السيد محسن الحكيم الذي كان المرجع الشيعي الأعلى في زمانه والذي توفي سنة 1970م، جاء وفد من المؤمنين في الكويت وتشرّفوا بزيارة الإمام الخميني، قائلين له أنهم يريدون تقليده بعد السيد الحكيم، فكان جوابه (رض) أن قلّدوا غيري، ومن يقلّدني عليه أن يحمل كفنه، لأني أريد إسقاط الشاه، استمعوا له بذهول واستهجان، إذ كيف لهذا السيد الجالس على سجّادة بسيطة وبيده السبحة؛ يريد أن يُسقط أعظم ملك في المنطقة؟ ولكن بعد إسقاط الشاه كان رئيس الوفد ينقل الحادثة ويبكي، قائلاً: لم نكن ندرك عظمة هذا السيد الذي كان ينظر بعين الله .
حكومة صدّام – وتنفيذاً لرغبات شاه إيران – طلبت من الإمام الخميني مغادرة العراق، حاول الإمام التوجّه إلى الكويت – إذ له هناك مقلّدون -، لكن الحكومة الكويتية منعته من دخول أراضيها، استجابة لضغوطات الشاه، عندها قرر الإمام الخميني ومن معه التوجّه إلى فرنسا، إذ أنّ القانون يومها في فرنسا لم يكن يفرض الفيزا على الإيرانيين، وهو في المطار في باريس أخبر رئيس قرنسا أنه لن يتراجع عن مشروعه في إسقاط الشاه، وخوفاً من الاضطرابات في أوروبا سمحت الحكومة الفرنسية له بدخول أراضيها، فأقام الإمام في منزل قريب من باريس مدّة أربعة أشهر، ثم قرّر التوجّه إلى تهران غير آبه بالتهديدات، ولم يتأثر بنصائح الحكومة الفرنسية، ولم يلتفت إلى التهديدات بضرب الطائرة، ولا بسد وتسكير مدارج المطار، فاضطر المسؤولون عن المطار إلى رفع العوائق عن المدارج، تحت ضغط الجماهير التي جاءت لاستقبال الإمام، حيث قدّرت وسائل الإعلام أنّ عدد الجماهير فاق الخمسة أو الستة ملايين، وكان خطابه في بهشت زهراء، فهرب الشاه، ومن بعده رئيس الوزراء بختيار الذي ادعى الانقلاب على الشاه ليقطع الطريق على مشروع الإمام الخميني .
لقد اعتمد الإمام الخميني على الله؛ فأطاعه شعبه، وتحقّق ما أراد، ونجحت ثورته التي تنبّأ بنجاحها الإمام موسى الصدر وهو في طريقه إلى ليبيا، حيث صرّح لجريدة مصرية قائلاً: إنّ ثورة الشعب الإيراني لابدّ وأن تنجح؛ لأن قائدها رجل عظيم .
لقد أحبط الإمام الخميني بإسقاطه للشاه المشروع الصهيو أمريكي لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية وإثنية، بدأها بإشعال الفتنة الطائفية في لبنان لتقسيمه، مقدمةًلتقسيم الدول العربية إلى دويلات، وكان إخفاء الإمام الصدر؛ لأنه كان ضد المشروع الذي يعمل على تقسيم الدول العربية والإبقاء على إيران الشاه وتركيا العلمانية والكيان الصهيوني، وبخروج إيران من المشروع سقط، وقد حاولت قوى الاستكبار إسقاط الجمهورية الإسلامية بمختلف الأساليب من حروب وحصار اقتصادي ووضع اليد على أصولها المالية، فلم تفلح كل محاولاتهم الخبيثة؛ لأنّ الجمهورية الإسلامية اتكلت على الله وأعدّت ما استطاعت من توحيد الشعب الإيراني وبقائه مطيعاً لقيادته التي تنقله من نصرٍ إلى نصر، وثبات الجمهورية الإسلامية على مبادئها التي منها دعم قوى التحرّر العالمي، فاحتضنت المقاومة بذرة الإمام الصدر في لبنان، التي هزمت الكيان الصهيوني الذي يستمر بالعمل مع الشيطان الأكبر وأتباعه لإسقاط الجمهورية الإسلامية، ومحاولة وضع اليد على دول المنطقة، لكنّ قوى الاستكبار العالمي فشلت في كلّ مشاريعها؛ ابتداءً من أفغانستان إلى العراق وسوريا، وما زالت الجمهورية الإسلامية تتغلّب على قرارات أمريكا ومن خلفها، وسيبقى محور المقاومة والرفض من إيران إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق واليمن ومعهم كل الأحرار في العالم حتى يكتب الله لنا النصر الكامل، وستبقى المقاومة في لبنان بالمرصاد لكل المؤامرات، وكما كان النصر إلهياً في تمّوز 2006؛ ستبقى العناية الإلهية راعية لهذا الخط الذي أعدّ ما استطاع واعتمد على الله سبحانه، وستُقطع يد المشروع الصهيو أمريكي المُتمثّل بالارهاب صنيعة أمريكا التي هي أم الإرهاب، لأنّها تحارب قوى الديمقراطية في المنطقة وفي أمريكا الشمالية، وتدعم الأنظمة الظالمة لشعوبها والمصدّرة للإرهاب.
إنّ التجربة الإيرانية الرائدة خير دليل على إمكانية الاعتماد على الذات وتحصين سيادتها داخلياً وخارجياً، والارتقاء في مختلف المجالات دون الانبطاح للدول المستكبرة، وقد استطاعت تقديم نموذج سياسي معتمد على الحرية والتحرّر الكفيلتين برقي الإنسان .
من هنا نتوجّه للبنانيين من سياسيين ومسؤولين بدعوتهم للاطلاع على التجربة الإيرانية بتجرّد، لمحاولة الاستفادة في حل الأزمات الداخلية وبالأخص الاقتصادية والاجتماعية والتحرّر من الضغوط الخارجية التي لا تقدّم لنا يد المساعدة الحقيقية ولا تسمح لنا للاستفادة من غيرها .
إننانأمل أن يشعر المسؤولون بالمصائب التي تحلّ بالوطن والمواطنين؛ بسبب نهب المال العام، وإيقاع البلد تحت مديونيات ضخمة تهدّد وجوده، فلا بدّ أن تكون هناك دراسة دقيقة للمشاريع وتكاليفها والإقلاع عن سياسة التلزيم بالتراضي . وانطلاقاً من شعار الحكومة [إلى العمل] نرجو من كل الوزراء والمسؤولين أن يكونوا واضحين فيما يقدّموه أمام الشعب، من خلال إبراز كشوفات دورية تبيّن للمواطنين ما قامت به كل وزارة .
إننا نتوجّه بالشكر للجمهورية الإسلامية على كل ما قدّمته وتقدّمه وما تعرضه بجديّة دون شروطٍ أو التزامات للبنان شعباً وجيشاً ومقاومة، وندعو الرافضين لهذا الدعم الإيراني السخي لتقديم البديل للبنان واللبنانيين .
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين