الردع بالمفهوم العام والمعنى الدقيق العلمي للكلمة هو عملية إيقاف أو كبح الأخر عن الفعل, وفي حالتنا يعد الردع عاملاً أساسيا لكبح إستخدام القوة الصلبة عند العدو, ولهذا علينا أولاً تنشيط ذاكرتنا بتاريخ الردع بين المقاومة والعدو الإسرائيلي ثم نبني عليه تصوراً أو فرضية راجحة في التقدير.
أما بعد..
ففي العام 1993 شن العدو الإسرائيلي حرباً على لبنان يومها أطلق عليها مسمى “تصفية الحساب”, وكانت العملية تهدف للقضاء على المقاومة في الجنوب, وأتى ذلك بعد تنامي القدرات الصاروخية للمقاومة.
يومها قررت قيادة القاومة التسلل الى عمق الحزام الأمني المتمثل بإنتشار “جيش لبنان الجنوبي” أو ما يسمى ب”جيش لحد” وإطلاق مجموعة من الصواريخ بإتجاه “كريات شمونة”, وبعد مرور إسبوع على العملية تم ردع العدو وتعهدت إسرائيل بالإمتناع عن قصف المناطق المأهولة وكان التعد عبر المفاوضات الغير مباشرة على الشكل التالي:
“تم التوصل إلى اتفاق عن طريق الفم بين إسرائيل وحزب الله، وافقت فيه إسرائيل على الامتناع عن مهاجمة اهداف مدنية في لبنان في حين تعهد حزب الله بوقف إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل”.
بعد ثلاث سنوات وفي العام 1996 شن العدو مرةً اخرى حرباً أطلق عليها يومها “عناقيد الغضب”, وكانت العملية تهدف أيضاً إنهاء حالة المقاومة الإسلامية في الجنوب, وأتت العملية بعد أن قتل العدو مدنيين إثنين فردت المقاومة ثم رد العدو ثم ردت المقاومة بالصواريخ بإتجاه العمق الإسرائيلي, عندها تدحرجت الأحداث حتى أعلن العدو عن العملية وقتل الكثير من المدنيين في كل الجنوب بالإضافة لإرتكابه مجزرة “قانا”…
ثم دخل العدو مفاوضات غير مباشرة مرة اخرى مع المقاومة, أثمرت وقفاً لإطلاق النار بالإضافة لوقف إطلاق الصواريخ من الأماكن المدنية وبعض البنود الأخرى.
بعد تلك الأحداث عملت المقاومة على إخراج تلك الثمرات إعلامياً, وإستمرت بالعمليات النوعية على المواقع اللحدية والإسرائيلية بحيث لم يمر شهر في تلك الفترة الممتدة من العام 1996 حتى العام 2000 إلا وكانت المقاومة تنفذ فيها عملية نوعية أو زرع عبوة أو إستهداف قافلة, ما أدى لاحقاً وبطبيعة الوضع الميداني الى أن يجعل العدو من نفسه أداةً ثابتة نسبياً أمام مقاومة متحركة ومرنة بشكل كبير
ومع حلول 22 أيار العام 2000 كانت المقاومة قد تمكنت من ردع العدو والإطباق عليه بشكل كبير قد يصل نسبياً لل80 بالمئة, يومها أعطى المعاون الجهادي الحاج “عماد مغنية” وبعد إستكمال التجهيزات العسكرية اللازمة الإذن بالإنطلاق بعملية واسعة شملت كامل الجبهة الجنوبية بما تحويه من مواقع عسكرية وإستخباراتية والقبض على العملاء, وكان العامل الأهم هو إنتفاض أهل الجنوب مع المقاومة وإعطائها الغطاء الكامل للإستمرار.
وفي نفس السياق أتت حرب تموز من العام 2006 حيث تمكنت المقاومة وبعد أن عملت على تراكم القدرة الصاروخية, تمكنت من إمطار مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل بمئات الصواريخ ويومها دخلت معادلة الردع الجديدة “ما بعد بعد حيفا”
هذا وقد تم إرساء قواعد إشتباك جديدة, أتت بعد مفاوضات غير مباشرة أيضاً أثمرت “وقف الأعمال العسكرية” وليس إنهاء الحرب بشكل كامل.
ومع مرور الزمن كان للعامل السياسي والقوة الناعمة للمقاومة دوراً مهماً, نذكر على سبيل المثال مرحلة "إذا قصفتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت, سنقصف مطار بن غوريون" الى تهديد منشأت "الأمونيا" في حيفا, الى "من كريات شمونا الى إيلات".
ثم كانت سوريا القلب النابض للأمة العربية والظهر الحامي للمقاومة والسند "الأخ", وكانت معها الثورات الملونة, حتى تمكنت القوات المسلحة النظامية مع الحلفاء والأصدقاء من إسقاط هذا المشروع ولكن لم يتمكن الحلفاء حتى يومنا هذا من وضع قواعد إشتباك جديدة, ولهذا يكون السؤال الأبرز بين العامة بالخصوص , الى أين؟؟ متى؟؟ كيف؟؟ لماذا لا تردع سوريا والمقاومة العدو الإسرائيلي من الإعتداء على ريحانة الشرق الأوسط "دمشق"؟؟؟
والجواب هو بالتاريخ فإذا راجعنا تاريخ المقاومة ومقدمات العمل العسكرية والسياسية نعلم جيداً أن موقعنا اليوم هو موقع المتوجب عليه إرساء قواعد إشتباك جديدة, ولهذا ولا أريد الجزم بالموضوع ولكن مع اليقين بتلك التجربية التاريخية, يمكنني أن أعتقد وأن أقول بإننا أمام مشهد قد تكون فيه أي عملية عسكرية إسرائيلية مستقبلية في سوريا هي شرارة لبدء معركة تحت عنوان "المعارك ما بين الحروب" لإرساء قواعد إشتباك جديدة عند حدود الجولان وهذا هدف من الأهداف التي أسست لها مجموعة "القنيطرة".
في الخلاصة أقول:
إن القوة الصلبة تبقى قوةً بلا جدوى وبلا قيمة دون إستخدام ودون توظيف سليم لها, وتبقى القاعدة الأساس في النظرية العسكرية-الأمنية الإسرائيلية هي “إن كانت التكلفة أعلى من الجدوى, فلا قيمة للعمل”.
محمود هلال