الرئيسية / ثقافة عامة / الإعلاميّ سركيس الشّيخا الدّويهي من جنيف: النّساءُ العربيّاتُ هُنَّ الوَديعُ الرّمزيُّ لهويّتِنا العرقيّةِ والثّقافيّةِ

الإعلاميّ سركيس الشّيخا الدّويهي من جنيف: النّساءُ العربيّاتُ هُنَّ الوَديعُ الرّمزيُّ لهويّتِنا العرقيّةِ والثّقافيّةِ

نظّمت جمعيّة البراعم للعمل الخيريّ والاجتماعيّ ندوة عن حقوق المرأة على هامش الدّورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة في جنيف. وكان للإعلاميّ سركيس الشّيخا الدّويهي كلمة جاء فيها:

أيّتُها السّيّداتُ، أيُّها السّادةُ،

إنَّ العنفَ جريمةٌ قديمةٌ قِدْمَ التّاريخِ، وقِدْمَ المجتمعاتِ، لكنَّ مأساةَ النّساءِ تزدادُ في الحروبِ، فيتحمَّلْنَ تَبِعاتِ النّزاعاتِ المُسَلَّحَةِ بمختلِفِ أشكالِها: الجسديّةِ، والنّفسيّةِ، والاقتصاديّةِ، والاجتماعيّةِ، ويدفعْنَ أثمانًا باهظةً، ويتحوَّلْنَ في بعضِ مناطقِ النّزاعِ إلى مُجَرَّدِ ورقةٍ ضعيفهٍ يتقاذفُها المُتَحارِبونَ في مجتمعاتِ التّمييزِ الجنسيِّ والسّيطرةِ الذّكوريّةِ المُسْتَنِدَةِ إلى تشريعاتٍ وقوانينَ باليةٍ، حيثُ المرأةُ في الأساسِ مُنْتَقَصَةُ الحقوقِ.

تؤثّرُ الحروبُ على المرأةِ بشكلٍ مختلِفٍ عن تأثيرِها على الرّجُلِ، فيكونُ لها آثارٌ أعمقُ وأكبرُ على حياتِها، لأنَّ الأدوارَ الّتي تُؤَدّيها المرأةُ في زمنِ السِّلمِ تُملي عَلَيْها أنماطًا مُحَدَّدَةً ومُخْتَلِفَةً عنِ الرّجلِ، لكنَّ هذه الأدوارَ الجَنْدَرِيَّةَ تتعرَّضُ فجأةً للتّغييرِ، والتَّبَدُّلِ السّريعِ، ولإعادةِ صياغةٍ دراماتيكيّةٍ في زمنِ الحربِ، لأنَّ ظُروفَ الصِّراعِ قد تَفْرِضُ على المرأةِ ربّةِ المنزلِ والأمِّ أنْ تخرُجَ من البيتِ إلى مَيْدانِ القتالِ، وحَمْلِ السِّلاحِ، والمُشارَكَةِ الفِعْلِيَّةِ في القتالِ جَنْبًا إلى جَنْبٍ معَ الرّجلِ طَوْعًا أو إكراهًا.

تخوضُ المرأةُ الحربَ أو تُؤَدّي أدوارًا مساعِدَةً فيها، فتَدْفَعُ فاتورةً مُزْدَوِجَةً: فاتورةَ هُوِيَّتِها كأُنثى أوّلًا، وفاتورةَ إظهارِها كفاءةً عَمَلِيَّةً في المَيْدانِ ثانيًا. وبينَ هذينِ القِطْبَيْنِ تَضيعُ هُوِيَّةُ المرأةِ الحقيقيّةُ، أو تُفْقَدُ في جَحيمِ المعاركِ، فلا تكتملُ فصولُ الحربِ إلّا بحوادثِ الاغتصابِ والاعتداءاتِ الجنسيّةِ. وكَمْ منِ امرأةٍ أُجْبِرَتْ على الهَرَبِ من أتونِ الحربِ، فوَقَعَتْ ضحيّةَ التّحرُّشِ، والاستغلالِ الجنسيِّ، والإتْجارِ بالبشرِ، فوجدَتْ نفسَها “عروسًا حَسَبَ الطَّلَبِ” أو سِلْعَةً في سوقِ الدّعارةِ.

تتعرَّضُ أجسادُنا في الحياةِ لإصاباتٍ وكُلومٍ، وحتّى لعمليّاتٍ جِراحيَّةٍ، ينجحُ الطّبُّ التَّجميليُّ الحديثُ في إخفاءِ أثرِها بشكلٍ شِبْهِ نِهائيٍّ، لكنَّ الآثارَ الّتي تتركُها الحربُ في أعماقِنا لا يُمكِنُ إخفاؤُها. فَمَنِ القادِرُ على شِفاءِ ذاكرَتِنا المُثْقَلَةِ بالدّماءِ، وقلوبِنا المُحَطَّمَةِ تحتَ الرُّكامِ؟

ونَظَرًا لِما للمرأةِ منِ احتياجاتٍ خاصّةٍ، ولِكَوْنِها الكائنَ الأكثرَ استضعافًا وقتَ الحربِ بعدَ الطِّفلِ، فقْد خَصَّها القانونُ الدَّوليُّ الإنسانيُّ واتّفاقيّاتُ جنيف بحمايةٍ خاصّةٍ تتلاءَمُ وجنسَها، لكنّ المشكلةَ تبقى دائمًا في تطبيقِ القوانينِ وتنفيذِها، وخصوصًا في زمنِ الحربِ. ففي المناطقِ الّتي سيطرَتْ عليها الجماعاتُ الإرهابيّةُ المُتَطَرِّفَةُ في سوريا والعراق، على سبيل المثال، استُخْدِمَتِ النّساءُ في العمليّاتِ القِتاليّةِ، وفي العمليّاتِ الانتحاريّةِ، لتنفيذِ هَجَماتٍ إرهابيّةٍ في أماكنَ عامّةٍ، ما يَتَنافى معَ القانونِ الدَّوْلِيِّ الإنسانيِّ ومعاهداتِ جنيف.

في مرحلةِ ما بعدَ الحربِ، يُصيبُ النّساءُ اللّواتي كنَّ ناشطاتٍ في فترةِ النّزاعاتِ المُسَلَّحَةِ شعورُ مريرٌ بأنَّهُنَّ كنّ مرئيّاتٍ وقويّاتٍ في زمنِ الحربِ، لكنّهُنَّ أصْبَحْنَ غيرَ مرئيّاتٍ، وغيرَ مُعْتَرَفٍ بهِنَّ، وغيرَ قويّاتٍ في زمنِ السِّلمِ. وحتّى نَتَجَنَّبَ هذا المَخْرَجَ السَّلْبِيَّ في عمليّةِ بناءِ السّلامِ، لا بُدَّ مِنْ إشراكِ النّساءِ في برامِجِ نَزْعِ السّلاحِ، ودَمْجِهِنَّ بوعيٍ وحساسيّةٍ جَنْدَرِيَّةٍ، واستغلالِ مرحلةِ بناءِ السّلامِ، لتفعيلِ دورِ المرأةِ، وترسيخِ المُساواةِ بينَ الجِنْسَيْنِ، وتَعْميمِ مَنْظورِ النَّوْعِ الاجتماعيِّ.

في كلِّ بيتٍ عربيٍّ قصصُ فتياتٍ وحكاياتُ نساءٍ صَمَدْنَ، وقاوَمْنَ، وتَحَمَّلْنَ ظُروفَ الحياةِ القاسيةَ، ووَيْلاتِ الحربِ، وغِيابَ المُعيلِ. فَكَمْ مِنِ امرأةٍ في عالمِنا العربيِّ أَخَذَتِ الحربُ منها زوجَها الّذي قُتِلَ في المعاركِ، أو اختُطِفَ، أو عادَ إليها مُصابًا غيرَ قادرٍ على العملٍ، فلم تترُكْ لَها خَيارًا سِوى تَرْكِ منزلِها، والابتعادِ عن أولادِها، للعَمَلِ بِما تَوَفَّرَ من فُرَصٍ، لِتَأْمينِ لُقْمَةِ العَيْشِ وحياةٍ أفضلَ لعائلتِها.

إنّ آلافّ النّساءِ العربيّاتِ يُعانِيْنَ تحتَ نيرِ الحربِ والتّطرُّفِ والإرهابِ منَ القتلِ، والتّهجيرِ، والتَّشَرُّدِ، والنُّزوحِ، والفَقْرِ، والبُؤْسِ، والحِرمانِ، والجوعِ، والعَطَشِ، والمَرَضِ، والعُنفِ الجسديِّ والنّفسيِّ، والاستغلالِ الجنسيِّ، والإتْجارِ بالبشرِ، والأَسْرِ، والاعتقالِ، والاسْتِعْبادِ، وفُقدانِ الأمانِ والحياةِ الأُسَرِيَّةِ، والثَّكْلِ، والتَّرَمُّلِ، ويتجَرَّعْنَ كؤوسَ المُعاناةِ يوميًّا في غيابٍ شبهِ كاملٍ لمختلِفِ أشكالِ الحمايةِ، والرِّعايةِ، والدَّعمِ الاقتصاديِّ، والاجتماعيِّ.

وفي معظمِ الأحيانِ، تُطالَبُ النّساءُ بإنجابِ المزيدِ مِنَ الأطفالِ، لِيَحِلّوا مَحَلَّ الأبناءِ الّذينَ لَقَوْا حَتْفَهُمْ، ما يَجْعَلُهُنَّ مُعَرَّضاتٍ أكثرَ للأذى الجسديِّ.

إنّ النّساءَ العربيّاتِ أمانةٌ في أعناقِنا، فَهُنَّ الوَديعُ الرَّمزيُّ لِهُوِيَّتِنا العِرْقِيَّةِ والثّقافيّةِ، لأنّهُنَّ يُنْجِبْنَ أجيالَ المستقبَلِ، ويُرَبِّيْنَ صُنّاعَ الغَدِ، ومِنْ واجبِنا الأخلاقيِّ والإنسانيِّ أنْ نُدافِعَ عنهُنَّ وعن حقوقِهِنَّ، وأنْ نعملَ جاهدًا على تَحييدِهِنَّ عنِ النّزاعاتِ المُسَلَّحَةِ وغيرِ المُسَلَّحَةِ، وعلى تَفْعيلِ دَوْرِهِنَّ في الحياةِ الاجتماعيّةِ، والاقتصاديّةِ، والسّياسيّةِ، والثّقافيّةِ. لذلك، نُطالبُ المجتمعَ الدَّوْلِيَّ بالعملِ بجِدِّيَّةٍ أكثرَ وفاعِلِيَّةٍ أكبرَ من أجلِ حمايةِ النّساءِ بشكلٍ عامٍّ، والعربيِّات منهُنَّ على وجهِ الخُصوصِ، وتأمينِ المأوى لَهُنَّ، وفَرَصِ العملِ، والدَّعْمِ الاقتصاديِّ، والرّعايةِ الصّحّيّةِ، والخِدْماتِ الاجتماعيّةِ، والمُتابَعَةِ النّفسيّةِ، والتّوجيهِ الاجتماعيِّ، ليَكُنَّ جُزْءًا فاعِلًا في عالمِنا العربيِّ، ويُؤَدِّيْنَ دورًا بارزًا ورائدًا ومؤثِّرًا في صناعةِ السّلامِ، وفي صَوْنِ المُجْتَمعاتِ العربيّةِ وحِفْظِها من الإرهابِ، والتّطرُّفِ، والانحرافِ. فهل مِنْ سَميعٍ مُجيبٍ؟

شاهد أيضاً

ندعوا أهل الخير للمساهمة في إفطار مئة صائم يومياً

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، يطلق “مركز مصان” لذوي الإحتياجات الخاصّة مشروعه الإنسانيّ “مائدة الرّحمٰن” …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم