عندما بدأ العبد بارود بيع الفول عام 1948 – أيّام «الزمن الجميل» – كان زبائنه يحملون معهم القدور وأواني الفخّار من منازلهم كي يحصلوا على لقمته المميزة. ظلوا كذلك إلى أن مات الأخير، قبل أن تموت عادة حمل الأواني الى محلات الفوّالين مع بدء «غزوة» البلاستيك.
انتقلت حرفة البارود من الجد إلى الأبناء فالأحفاد. اليوم، هي في عهدة العبد بارود الحفيد. الإسم لم يتغيّر، لكن السنوات السبعين، بين الجدّ والحفيد، غيّرت الكثير في أنماط الحياة والعادات التي صارت تنحو نحو الأسهل… والأسوأ. ما بين الجد والحفيد، استحالت القدور و«الجاطات» الزجاجية وصحون الفخّار، أواني بلاستيكية أحادية الإستخدام… إلى أن قرّر العبد بارود الحالي أن يعيد شيئاً من زمن جدّه، على قاعدة «ضرب عصفورين بحجر واحد»: «عصفور صحي وعصفور بيئي». عمد الفوال الشهير، في منطقة حارة حريك، إلى استبدال الأواني البلاستيكية التي تستعمل لمرّة واحدة بـ«التابرويرات» المتعدّدة الإستخدامات. صحيح أن هذه الخطوة التغييرية «زادت الكلفة عليّ سبعة أضعاف». ولكنها «تساهم بالتخفيف من الفاتورة البيئيّة التي صارت باهظة جداً».
«في كتير من الأحيان، كنت حسّ إنو علبة البلاستيك عم تطلّع فيني وتقللي إنو نحنا البشر مجرمين. فلقيت من واجبي، كمستهلك كبير لهالبلاستيكيّات، أعمل شي وغيّر من طريقة استهلاكنا». إذ أن «العلب البلاستيكيّة البيضاء التي نستهلكها مؤذية جدًّا للبيئة. فشركات إعادة التّدوير لا تقبلها، وبالتّالي لا يتم إعادة تدويرها ويصبح مصيرها بعد الإستخدام إمّا الطّمر أو الحرق، كما أنّها سريعة الكسر فلا تحتفظ بها ربّات المنازل لإعادة الإستخدام، والأخطر أنّها ضارّة جدًّا بالصّحة إذا استُخدِمت مع الأطعمة السّاخنة». ثمة أمر آخر دفعه الى ذلك هو حبه للبحر والسباحة والغطس. «عندما نسبح مع علب البلاستيك وأكياس النايلون تحت الماء نكتشف أكثر فظاعة ما نرتكبه».
قبل «التابروير»، كان بارود يستهلك أسبوعياً «بحدود 250 ألف ليرة بلاستيك». اليوم، «كلفة التابرويرات سبعة أضعاف كلفة البلاستيك». مع ذلك، «أشعر بالرضا». والأهم أن فكرته لقيت استحسان الزبائن وتشجيعهم. عاد كثيرون الى احضار أوان منزلية معهم، أو الـ«تابرويرات» لإعادة تعبئتها. وهو، لمزيد من التشجيع، وضع حسماً خاصاً لمن يحضر علبته الخاصّة، ولو على حساب الربح، «لأنو صرنا عايشين بمستنقع زبالة».
اليوم، يبحث بارود عن حلّ لأكياس النّايلون وأوراق النايلون الشفافة التي يستهلك منها ما قيمته مليون و250 ألف ليرة شهريًّا. جرب «بدائل» كثيرة منها الأكياس الورقية، «لكن الورق لا يتحمّل الماء والزّيت إذا ما تسرّب من العلب»… لكنه واثق من «أنني سأجد حلاً». يدرك أنه يشعل شمعة فقط بدلاً من ان يلعن الظلام، لأنّ «كل الحلول الفرديّة تبقى مجرّد مبادرات خجولة، إذا لم تتحمّل الدّولة مسؤوليّتها تجاه الموضوع». برأيه، «الحل الأمثل هو أن تفرض الدّولة قيودًا وضرائب ماليّة على استهلاك البلاستيك كما تفعل العديد من دول العالم». وهو يأمل أن يتم ذلك «قبل أن نرقد نحن وأولادنا في مخلّفاتنا بسلام».
المصدر : | جريدة الأخبار |
العبد بارود