لو عاد هؤلاء الى الدرس الاول في الصفوف الأساسية الذي يقول «أكل الولد التفاحة»، لعرفوا ان جزءاً كبيراً من الحل يكمن في تنمية ثقافة تشجيع الانتاج المحلي، عبر «زوّادة» مدرسية من التفاح او الموز او الفواكه المجففة والجوز واللوز المفيدة والغنية بالطاقة، بدل الـ500 ليرة لشراء أكياس الـ«شيبس» المضرّة. بذلك، نشجّع تصريف الإنتاج الوطني والاقتصاد الحقيقي وبقاء الناس في قراهم، ونقلّص الفاتورة الصحية، ونوفّر الكثير من النفايات من أغلفة السلع وكلفة معالجتها (او عدم معالجتها)… هذا الإجراء غير المعقّد يتطلب قلب الأولويات وتغيير سياسات كثيرة في معظم القطاعات. ولعل تشريعاً ضرائبياً هادفاً واحداً يمكن أن يغنينا عن كثير من خطط الطوارئ المدمرة والمكلفة على كل صعيد.
ليست مشكلة النفايات تقنية في الأصل. بل تعود، في جوهرها، إلى نظم غير مستدامة من الإنتاج والاستيراد والاستهلاك.
عندما قرّر لبنان أن يكون بلداً للخدمات (على أشكالها)، حصل ذلك على حساب كثير من القطاعات الانتاجية. أما ما بقي من هذه القطاعات حياً، نوعا ماً، كالقطاع الزراعي، فقد ظلّ محكوماً بهاجس التصدير (لا سيما التفاح). الا أن موضوع التصدير لأنواع معينة من الانتاج لم يكن استراتيجياً ولا بنيوياً، بل جاء في ظروف استثنائية. وعندما تغيرت هذه الظروف، وجدنا كثيراً من العوائق غير المتوقعة، سياسياً واقتصادياً وتقنياً… الخ. وفي الحصيلة، لم تكن هناك رؤية متكاملة للتنمية المستدامة، وهو ما ندفع ثمنه غالياً.
كل بنية خطط ما يسمى التنمية في لبنان، منذ نهاية الحرب الاهلية، لم تكن سليمة بالمعنى الانمائي. فكرة «الانماء المتوازن» صيغت وطُبّقت بخلفيات طائفية ومناطقية، لم تخدم يوماً شروط التنمية المتكاملة والمستدامة. وأُوكل تطبيق ما يسمى «مشاريع التنمية» الى مجلس لا خبير فيه في وضع استراتيجيات للتنمية المستدامة… فكانت الحصيلة الكثير من الخراب بدل الاعمار!
«الزراعة من أجل التصدير»، لا سيما في الفواكه، لم تكن فكرة مستدامة. بسبب هذا الهوس الاستثنائي بالتصدير، ضيّعنا فرصاً كثيرة مثل إنشاء معامل صغيرة ومتوسطة للتجفيف والبيع الداخلي طوال السنة. لذلك لا نرى في الأسواق اليوم كثيراً من الفواكه المجففة من مصدر محلي، فيما رفوف السوبرماركت بمنتجات مجففة من شتى أنحاء العالم لا سيما تركيا!
صحيح أن الفواكه المجففة تخسر بين 60 و80% من وزنها (حسب النوع وطرق التجفيف)، الا أن سعرها يتضاعف أكثر من عشر مرات، وهي تتصف بشروط الاقتصاد والاستدامة، اذ لا شيء يضيع فيها، كما يمكن تصديرها بأكلاف أقل.
إضافة إلى ذلك، فقد جعلنا اهتمامنا بالاسواق الخارجية والتصدير نخضع لشروط إنتاج لا تناسبنا، إن لناحية المواصفات التي تتطلب الكثير من الكيميائيات، أو لناحية زراعة صنف واحد مطلوب وضرب فكرة التنوع (التقليدية) في الزراعات. فلم نحسب أو نتحسّب من أن تستخدم الدول المستوردة مواصفات قاسية لناحية الترسبات الكيميائية في الإنتاج كعوائق جمركية، بعدما وقعنا اتفاقيات تحرير الأسواق والتجارة. وكانت الخلاصة، بسبب هذه السياسات الخاطئة، أننا كسرنا التوازن البيئي وتوازن الاقتصاد الأسري، لا سيما لصغار المزارعين، وخرّبنا اقتصادنا الحقيقي ولوّثنا ارضنا بالكيميائيات (في التربة والمياه والانتاج) وفتحنا اسواقنا لشتى أنواع المنتجات التي لا تخلو من اضافات ومواد حافظة وتستخدم فيها أغلفة برّاقة وقاتلة للصحة… وزدنا انتاج النفايات، بشكل بات معه حجم أكياس البلاستيك وأكياس الـ«شيبس» أكبر من حجم انتاجنا من الفواكه الطازجة او المجففة!
فهل تتضمن استراتيجية معالجة النفايات بنودا ومبادئ وسياسات لاعادة النظر في طرق الانتاج والاستهلاك، بما يتماشى مع مصالحنا الاقتصادية والصحية والبيئية العليا، ام نكتفي بالجدل – كما في كل مرة – حول ما اذا كنا نريد حرقها أم دفنها؟!