الرئيسية / أخبار صور / خطبة الجمعة[الصدقةُ والإنفاقُ في سبيلِ الله] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي 12-4-2019م

خطبة الجمعة[الصدقةُ والإنفاقُ في سبيلِ الله] فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي 12-4-2019م

في شهر شعبان ذكريات شريفة؛ ابتداءً من ذكرى ولادة الإمام الحسين (ع) مروراً بولادة أبي الفضل العباس (ع) ثم ولادة الإمام زين العابدين (ع) ثم ولادة علي الأكبر (ع) وانتهاءً بولادة منقذ البشرية (عج)، لتبقى هذه الذكريات منارات هدى واقتداء في مسيرتنا الإيمانية، ولا ننسى الجريمة الكبرى التي اقترفها النظام البائد لصدام حسين بحق المفكر الإسلامي الكبيرالشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) فيالتاسع من نيسان.
خلق الله سبحانه الإنسان، وبيّن له أنّ دار الدنيا دار ممر، وليست بدار مقر، وأن دار الآخرة هي دار القرار والخلود؛ إمّا في الجنة، وإمّا في النار، وبيّن للإنسان الطريق إلى الجنّة، وأمرهُ بسلوكها، وحدّد له أعمالاً وخصالاً تنفعه ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “، وحذّره من الأعمال والخصال التي تودي به في نار جهنّم، وبيّن له أنّ أهم الأعمال في الدنيا بعد فريضة الصلاة؛ هو الإنفاق في سبيل الله سبحانه، والصدقة، لأنّ الإنفاق عبادةٌ مباركة، وظاهرة طيّبة، تدعو المؤمن إلى نصرة المُستضعفين، ومدّ يد العون للطبقات الضعيفة والفقيرة، فيقضي حاجاتهم، ويسدّ جوعهم، ويُخفّف آلامهم، ويصرف ماله لنصرة الحق، ودعم المُجاهدين بالمال والسلاح والطعام، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، وهذا يُبيّن مدى التكافل الاجتماعي الذي فرضه الله سبحانه على المسلمين، مصداقاً للحديث النبوي الشريف: مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . وأيضاً الحديث القائل: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً . وفي الحديث النبوي: من أرسل بنفقةٍ في سبيل الله وأقام في بيته؛ فله بكل درهم سبعمائة درهم . وغيرها الكثير من الروايات التي حثّ فيها رسول الله (ص) على الإنفاق في سبيل الله، والترغيب في السخاء في سبيل ذلك، حتى صار البذل طبعاً أصيلاً يتحلّى به المسلمون، وسجيّة طيّبة في حب الخير، استفادة من قول الله سبحانه ” لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ” .
متكاثرة هي الآيات والروايات التي تُحبّب الإنفاق في سبيل الله والصدقة، وتبيّن آثارها ونتائجها، حتى صار المؤمن يشعر بسعادة غامرة عند إنفاق المال، أكثر من فرحته حين الحصول على المال، لأنّه أراد أن يكون من المتّقين، ويكون مصداقاً لما تحدّثت عنه الآيات؛ كقوله تعالى “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “، وهذه صفات من انتصر على هواه، وعلى نفسه، لأنّ الإنسان بطبعه يُحبّ كنز المال، ويغضب وينتقم لنفسه، لكنّ الإيمان يجعله يكظم غيظه، ويُنفق ماله؛ ليسُدّ جوعة إنسان، أو كسوة عريان، أو إيواء طريد، ويصل به رحمه، وينفقه في سبيل الله للمجاهدين المدافعين عن الإسلام والمسلمين، لأنّه يُريد لهذا المال أن يستقبله بعد الموت، لا أن يتركه في الدنيا لغيره الذي إن أنفقه في طاعة الله سعُد بما شقي به هو، وإن أنفقه في معصية الله فيكون عوناً له على معصية الله .
فلا بدّ للمؤمن من الالتزام بما ورد في قوله تعالى ” قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ “، وأنّ ما ينفقه المؤمن في سبيل الله فهو لنفسه، قال تعالى ” مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ “، وأنّ الله سبحانه يُضاعفه له؛ قال تعالى ” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “، والصدقة عند الله سبحانه لا تُقدّر بعظم قيمتها؛ بل بدرجة إخلاص صاحبها لله سبحانه، ورد في مورد نزول آية ” إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ” عن أبي ذر الغفاري (رض): صليت مع رسول الله(ص)يوما من الأيام صلاةالظهر فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد إني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحدشيئا وكان علي راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي (ص) فلما فرغ النبي (ص) من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك، فقال: (رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري) الآية، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا)،( اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري).قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند الله، فقال: يا محمد إقرأ، فقال: وما أقرأ؟ قال: إقرأ (إنما وليكم الله ورسوله… راكعون) .
إنّ للصدقة فضلاً عظيماً، ورد في الحديث: إنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير . وقال تعالى “أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ “، وعن رسول الله (ص): خلّتان لا أحب أن يُشاركني فيهما أحد؛ وضوئي فإنّه من صلاتي، وصدقتي فإنّها من يدي إلى يد السائل؛ فإنّها تقع في يد الرحمن . والصدقة تزكو وتنمو، قال تعالى ” يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ “، عن الإمام الصادق (ع) قال: قال الله تعالى:إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ تمرةٍ، فأُربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أجعلها مثل جبل أحد .
الصدقة لا تكون ببذل المال فقط؛ في الحديث قال رسول الله (ص):إنّ على كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال (ص): إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردّك السلام صدقة . وعنه (ص): الكلمة الطيبة صدقة، وكلّ خطوة تخطوها للصلاة صدقة . وعنه (ص): أفضل الصدقة أن يتعلّم المرء المسلم علماً ثمّ يُعلّمه أخاه المسلم . وعنه (ص): أفضل الصدقة صدقة اللسان . قيل: يا رسول الله وما صدقة اللسان؟ قال: الشفاعة، تفكّ بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجرّ بها المعروف إلى أخيك، وتدفع بها الكريهة .
إنّ صدقة السّر أفضل من صدقة العلن، وإن كانت الأخيرة لا تخلو من الفضل، قال تعالى ” إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ “، قال رسول الله (ص): صدقة السر تُطفئ غضب الرب . وعنه (ص):سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه .عن عمار الساباطي قال: قال لي أبوعبدالله (ع): يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلانية.ويقول الإمام زين العابدين (ع):وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عز وجل ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا وتدفع عنك النار في الآخرة .
الصدقة ليست منقصة للمال، وليست خطراً على المال كما يوسوس ابليس؛ بل هي منماة للرزق ومجلبة له، عن أمير المؤمنين (ع): استنزلوا الرزق بالصدقة .والأولى بالصدقات الأرحام، وقد بيّن ذلك المعصومون (ع)، عن الإمام الحسين (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: إبدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك .وقال (ص): لا صدقة وذو رحمٍ محتاج . وروي عن الإمام الصادق (ع): صدقة العلانية تدفع سبعين نوعاً من أنواع البلاء . وقال أمير المؤمنين (ع):صدقة العلانية, فإنّها تدفع ميتة السوء .إنّ الصدقة تطيل العمر؛ عن رسول الله (ص):تصدّقوا, وداووا مرضاكم بالصدقة, فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض, وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم . ومن الصدقات الإقراض، عن رسول الله (ص) قال:رأيت ليلة أُسري بي على باب الجنّة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها, والقرض بثمانية عشر, فقلت: يا جبريل, ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لأنّ السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة .
المنّ والأذى يُبطل الصدقات، فعلى المُتصدّق أن يجتنب تلكما الصفتين، قال تعالى”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ”،وقال تعالى”قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ “، قال رسول الله (ص):إن اللَّه تبارك وتعالى كره لي ست خصال، وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمنّ بعد الصدقة واتيان المساجد جنباً، والتطلع في الوفد، والضحك بين القبور .
على الإنسان حتى لا يكون منّاناً أن لا يرى نفسه مُحسناً، ويطلب من الفقير شكره؛ بل عليه أن يرى أنّ الفقير هو المُحسن عليه لأنه قبل صدقته وقرّبه من رب العالمين، وأن يرى أن ما يُعطيه قليل في مقابل ما سيأخذه من الأجر، عن أمير المؤمنين (ع):ومن علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطى‏ء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك لحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك، فأكرم وجهك عن ردّه .
كان أئمة أهل بيت النبوة (ع) يبتدئون بالصدقة قبل أن يسألهم الفقير، وكانوا يوصلون صدقاتهم للفقراء ليلاً دون أن يراهم الفقير، فكان لا يعرف الفقير مصدر الصدقة إلاّ بعد موت الإمام؛ لأنه يفتقد تلك الصدقة حينها، وكانوا (ع) يناولون الفقير الصدقة من وراء الباب حتى لا يروا ذل السؤال في وجهه .
ومن أهم أبواب الإنفاق تجهيز المجاهدين، وتأمين المؤونة لهم، وأن يقصد الإنسان بذلك التصدي لقوى الشر والاستكبار، وإظهار الوحدة والالتفاف حول المقاومين والمجاهدين، والحفاظ على عوائلهم وأبنائهم .
إننا نرى أن هناك من يسعى لجعل ١٣ نيسان هذا العام يشبه ١٣ نيسان عام ١٩٧٥، وهذا ما تؤشر له القرارات الأمريكية وزيارات الفتنة التي قام بها بومبيو. من هنا فإننا ندعو اللبنانيين كافة للتمسك بخيار الوحدة ورص الصف في مواجهة كل مساعي الفتنة خاصة الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا وأعوانها.
إن سياسة (عناقيد الغضب عام ١٩٩٦) الصهيونية ألغتها سياسة المقاومة التي فرضت توازن قوى يجعل الصهيوني يفكر ألف مرة قبل الاعتداء على سيادة لبنان.
إننا نطالب المسؤولين في البلد بالانتقال من سياسة الأقوال إلى سياسة الأفعال، ونؤكد علىأن محاربة الفساد لا تكون إلا بالعمل الجاد والسريع.
ونختم إشادةً بالتعاون بين القيادة الإيرانية والشعب الإيراني في مواجهة الكوارث الطبيعة والحصار الظالم، الذي وصل به المشروع الصهيوأمريكي إلى حد منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة في إيران، مما يُظهر وحشية وإرهاب هذا المشروع الذي أكده تصنيف مؤسسة رسمية إيرانية حاربت الإرهاب بانها منظمة إرهابية.

والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .

تصوير:رامي أمين

شاهد أيضاً

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم