لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ”
بعد سنوات من بداية الدعوة للإسلام وفي نهاية السنة السادسة للهجرة؛ وصل المسلمون إلى مكانة مهابة في الجزيرة العربية ساعدتهم في تشكيل مصالح اجتماعية وسياسية، وجعلت القبائل العربية المختلفة تتعامل معهم على أساس أنهم أمر واقع، مما أفسح لهم في المجال للدعوة للاسلام ونشره بحرية أكبر وظروف افضل، ومع ذلك كانت أبواب مكة ما زالت موصدة بوجههم، رأى رسول الله (ص) في منامه أنه يسير بأصحابه من المدينة المنورة الى مكة المكرمة لزيارة بيت الله الحرام، وأنهم يدخلونه آمنين من غير قتال، حينها توجَّه رسول الله (ص) نحو مكّة، ومعه ما يقرب من ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار، وذلك في الأوّل منذي القعدة، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هدياً، لتُنحَر في مكّة.فلمّا تناهَى الخبر إلى قريش فزعت، وظنّت أنَّ رسول الله (ص) يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدُّ نفسها لصدِّه عن البيت الحرام.ولمّا بلغ الرسول (ص) أخبار إعداد قريش، والتهيّؤ لقتاله، غيَّر مسيره، وسلك طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوَّات قريش المتوجّهة لقتاله.
وفي طريقه (ص) إلى مكّة استقرَّ وأصحابه في وادي الحُديبية، وهي قرية سمّيت ببئر هناك، قال ابن عباس: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج يريد مكّة، فلمّا بلغ الحديبية وقفت ناقته، وزجرها فلم تنزجر، وبركت الناقة، فقال أصحابه: خلأت الناقة، فقال (ص): ما هذا لها عادة، ولكن حبسها حابس الفيل.ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكّة، ليأذنوا له بأن يدخل مكّة، ويحل من عمرته وينحر هديه، فقال: يا رسول الله، ما لي بها حميم، وإنّي أخاف قريشاً لشدّة عداوتي إيّاها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفّان.فقال: صدقت، فدعا رسول الله (ص) عثمان، فأرسله إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنّه لم يأت لحرب، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت، معظّماً لحرمته، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله (ص) والمسلمين أنّ عثمان قد قتل.فقال (ص): لا نبرح حتّى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة، فقام رسول الله (ص) إلى الشجرة فاستند إليها، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا، فأنزل الله تعالى عند ذلك قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيباً) ومن هنا سمّيت هذه البيعة ببيعة الرضوان.
بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبي (ص)، فقال: يا أبا القاسم، إنّ مكّة حرمنا وعزّنا، وقد تسامعت العرب بك أنّك قد غزوتنا، ومتى ما تدخل علينا مكّة عنوة يطمع فينا فنتخطف، وإنّا نذكّرك الرحم، فإنّ مكّة بيضتك التي تفلقت عن رأسك.قال (ص): فما تريد؟ ، قال: أُريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن أخلّيها لك في قابل فتدخلها، ولا تدخلها بخوف ولا فزع، ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب، السيف في القراب والقوس، فدعا رسول الله (ص) الإمام علي (ع)، ليكتب كتاب الصلح.فقال (ص): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم.فقال سهيل: لا اعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهمّ، فكتبها (ع).ثمّ قال (ص): اكتب هذا ما صالح محمّد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو شهدت أنّك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.فقال رسول الله (ص): اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله، سهيل بن عمرو، فجعل علي (ع) يتلكّأ ويأبى أن يكتب إلاّ محمّد رسول الله، فقال له رسول الله (ص)اكتب فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد.فكتب (ع): هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله، سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكفّ بعضهم عن بعض، على أنّه من أتى محمّداً من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم، ومن أتى قريشاً ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه، وإنّ بيننا عيبة مكفوفة، وأنّه لا إسلال ولا إغلال، وأنّ من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه، وأنّ من أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه..
أمّا بنود الصلح الحديبية، فأبرزها:
-وقف القتال عشر سنين بين الطرفين.
-من قدم إلى النبي من قريش دون إذن وليّه، يردّه عليهم، ومن جاء قريشاً من محمّد لا يردّوه إليه.
-السماح بدخول أيّ طرف في التحالف مع أيّة أطراف.
-يرجع المسلمون هذا العام على أن يقدموا العام القادم للعمرة.
– لا يُستكره أحدٌ على ترك دينه، ويعبد المسلمون اللّه بمكة بحرية وأمان.
– احترام الطرفين لأموالهم، فلا خيانة ولا سرقة.
– لا تعين قريشٌ على محمّد وأصحابه أحداً، سواء بسلاح أو أفراد.
وشهد على الاتفاقية مجموعة من الصحابة، منهم الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وكان هو كاتب الصحيفة، كما شهد من قبل قريش: حويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص.وكتب (ع) الكتاب نسختين: إحداهما عند رسول الله (ص) والأُخرى عند سهيل بن عمرو.
بينا هم يكتبون الكتاب إذ جاء أبو جندل بن سهيل إلى النبي (ص) حتّى جلس إلى جنبه، وكان قد أسلم، فقيّدته قريش وعذّبته، فلمّا رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلبيبه، ثم قال: يا محمّد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت . فقال المسلمون: لا نردّه، فقام (ص) وأخذ بيده، وقال: اللهم إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادق فاجعل له فرجاً ومخرجاً، ثمّ أقبل على الناس وقال: إنّه ليس عليه بأس، إنّما يرجع إلى أبيه وأُمّه، وإنّي أُريد أن أتمّ لقريش شرطها .
وبعد الاتفاقيةرجع سهيل بن عمرو وأصحابه إلى مكّة، وأمّا رسول الله (ص) فقد نحر هديه وحلق، وأمر أصحابه بالنحر والحلق، وأقام بالحديبية بضعة عشر يوماً، ثمّ رجع إلى المدينة المنوّرة، وفي طريقه (ص) إلى المدينة المنوّرة، نزلت عليه سورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال الإمام الصادق (ع):فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الإسلام يستولي على أهل مكّة . وقال أنس بن مالك: لمّا رجعنا من غزوة الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، قال: فنحن بين الحزن والكآبة، قال: فأنزل الله (عزّ وجل): (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا…).فقال نبي الله (ص):لقد أُنزلت عليّ آية أحبّ إلي من الدنيا وما فيها .
لقد ترتّب على صلح الحديبية الكثير من الفوائد التي أصبحت فتحاً بالنسبة للإسلام، ومن هذه الفوائد: دخول الكثير من المشركين في الإسلام، وكذلك ضعفت قوّة قريش عندما انسحبت من ميدان الحرب، وبذلك خفّ الضغط على المسلمين المتواجدين في مكة، وبعد هذا الصلح، توجّه النبي الأكرم(ص) إلى اليهود الّذين كانوا يكيدون بالمسلمين بعد تحصّنهم في خيبر، فأفشل مخطّطاتهم بفتح خيبر، ولقد أعطت هذه الهدنة للمسلمين فرصةً كبيرة لنشر الدعوة الإسلاميّة، فقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال.
ولقد كان من ضمن بنود صلح الحديبيّة، أنّ من أحبّ أن يدخل في عهد رسول الله(ص) وعقده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله(ص)، وبعدها، أصاب بنو بكر من خزاعة رجلاً، بعد أن اقتتلوا معهم، ورفدت قريش بني بكر بالسّلاح، وقاتلوا معهم باللّيل مستخفين، حتى أوصلوا خزاعة إلى الحرم، وبذلك نقضت قريش ما كان بينهم وبين رسول الله(ص) من العهد والميثاق، فخرج المسلمون سنة 8 هـ إلى مكّة فاتحين.
في فترة ما بعد الصلح أسلم الكثير من أهل مكة، منهم خالد بن الوليد وعمر بن العاص وأظهر كثيرون إسلامهم بعد أن كانوا يعيشون التقية مع الكافرين، وعاهدت الكثير من العشائر العربية دولة الإسلام التي إنتهزت فرصة المهادنة، وراسل النبي (ص) ملوك الروم وفارس فمرت الأعوام إلى أن نكثت قريش، بعد أن ضعفت ودولة المسليمن ازدادت قوة، فأخذ النبي (ص) القرار بدحول مكة فاتحاً، وكل هذا ببركة بيعة الرضوان وصلح الحديبية ليؤكد أن الإسلام من أول دعوته وقيام دولته دولة مسالمة لا تبدأ قتالاً ولا تنكث عهداً، وتحقّقت رؤيا رسول الله (ص)؛ حينما أصرّ على كتابة الصلح في الحديبية وإن عارضه بعض الصحابة، فقال تعالى ” لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا “، دخل المسلمون مكة، وعلي (ع) يحمل راية رسول الله (ص) قائلاً: اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة . وصدر النداء من النبي (ص): من دخل الكعبة كان آمناً ومن دخل داره كان آمناً ومن دخل بيت أبي سفيان كان آمناً . وانقضت دولة الكفر، وطُهّرت الكعبة من الأصنام، فلا سجود فيها ولا ركوع إلاّ لله سبحانه وتعالى .
إن المشروع الصهيوأمريكي يعيد خلط الأوراق في المنطقة، فبعد فشله في سوريا رفع وتيرة التصعيد ضد الجمهورية الإسلامية في إيران؛ عبر اعتراضه سفية شحن مدنية ايرانية في المياه الدولية.
اننا نرى ترابطاً بين إثارة القلاقل الأمنية في لبنان مع توتير الأجواء في المنطقة، كما جرى بالأمس في مضيق جبل طارق.
إنناندعو السياسيين في لبنان لاعتماد خطاب سياسي نهضوي جامع ينقذ البلد ويحصتنه أمام ما يحك في المنطقة من مؤامرات. ونستنكر الخطابات الطائفية المناطقية الضيقة لبعض السياسيين،ونؤكد على أن لبنان يبقى وطناً نهائياً لجميع أبنائه بكل المناطق والطوائف، وأن لا منطقة ممنوعة على أحد من اللبنانيين.
ونختم بتوجيه التحية للشعب الفلسطيني،وندعو لدعم كل التحركات ضد صفقة القرن والتطبيع وندعو لدعم المقاومة بكل أطيافها .
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمدٍ وآله الطاهرين .
شاهد أيضاً
فرصة عمل في صور
Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …