في مدينة فري تاون بسيراليون حيث وُلد، بدأت حكاية رضا عنتر مع كرة القدم. قصة كُتبت فصولها الأجمل بعد انتقاله الى مدينة صور الساحلية بجنوب لبنان، هناك كان رضا يداعب الكرة على الشاطئ الرملي الكبير، وفي الأزقة، إلى أن التحق بنادي مدينته التضامن، ولعب معه حتى 2001، حيث فاز بجائزة أفضل لاعب في لبنان عام 2000. في تلك الفترة برزت موهبة رضا، فانتقل إلى هامبورغ الألماني وبقي معه حتى 2003، بعدها حطّ الرحال في نادي فرايبورغ حتى 2007، لتكون محطته الأخيرة في نادي كولن حتى عام 2009. بعد ألمانيا احترف في الصين مع شاندونغ لونينغ وجيانغسو سونينغ وهانغجو غرينتاون، ولا يزال يُعتبر حتى الآن من أبرز اللاعبين الذين لعبوا هناك. منذ عام 2000 وحتى 2016 مثل عنتر منتخب لبنان في العديد من البطولات العربية والآسيوية، ليتوجّه بعد اعتزاله إلى التدريب. عنتر حاضر اليوم في كرة القدم اللبنانية بكلّ تفاصيلها، هو شاهد كرة القدم الحقيقية في ألمانيا والصين وفي مختلف الدول الأوروبية حيث كان يتابع المباريات، ولا يبدو راضياً على ما يحصل في لبنان.
على تقاطع المدينة الرياضية في بيروت، صَرحُ كرة القدم المحلّية الأكبر؛ مدينة كميل شمعون الرياضية. الأضواء الكاشفة مُطفأة، وفي بعض الليالي، نور الإطارات المشتعلة أمام الملعب يضيء سماء المنطقة. لا حركة داخل هذا الصرح سوى لآليّات الجيش اللبناني وعناصره. الدوري متوقّف. لا لاعبين ولا جماهير ولا من يلعبون. أمّا في الجهة المقابلة ملعبٌ أصغر، أضواؤه الكاشفة تنير الطريق للسيارات.
هناك النشاط الكروي لا يزال قائماً. نحو 90 طفلاً يتمرّنون بشكلٍ شبه يومي، حسب الظروف، الأمنية والمناخية، بإشراف لاعبٍ كان قائداً لمنتخب لبنان، وسفيراً للكرة اللبنانية في العالم. رضا عنتر، أكبر من أكبر لاعبٍ منخرطٍ في أكاديميته بأكثر من 25 عاماً، أي أنّ أكبر الذين يتدرّبون تحت إشرافه، لم يكن قد وُلد بعد حين وصل عنتر إلى محطته الثالثة والأخيرة في ألمانيا مع نادي «كولن» قبل الانتقال إلى الصين. هذا جيلٌ جديد. الزّمن لم يتوقّف، ومن كان لاعباً في ما مضى، صار مدرّباً، موقوفاً بالمناسبة، لكن «القانون لازم يطّبق عالكل».
في نيسان 2020، تنتهي عقوبة إيقاف مدرّب نادي الراسينغ السابق رضا عنتر. عامٌ سيكون قد مضى على انفعال قائد المنتخب السابق على أرض ملعب مجمّع فؤاد شهاب في جونية، على حكّام المباراة ومراقبيها. تلك حادثةٌ مرّت. التاريخ يحفظ، لكن فصولاً جديدة تُكتب فيه، إلّا أنه لا يُنسى أيضاً. قد يكون عنتر وضع ما حدث خلفه، لكنّه لم ينسَ أن ثمّة من ساهم في هبوط الراسينغ إلى الدرجة الثانية. هو يقرّ بأخطائه كمدرّب، مذكّراً بحال النادي المالي قبل انطلاق الموسم وتأخّر تحضيراته. في واقع الأمر، هناك أسبابٌ عدّة لنتيجةٍ واحدة، وأحد هذه الأسباب: التلاعب بالنتائج.
في حديثه مع «الأخبار» كان القائد السابق لمنتخب لبنان واضحاً، «في تلاعب ما بدنا نكذّب على بعض»، يقولها عنتر بشكلٍ مباشر، من دون تلميح. لا يتحدّث عن الموسم الماضي حصراً، بل هذا الحال قائم غالباً في كلّ موسم. يُعرّج على التحكيم أيضاً، فيعود إلى «المباراة الحدث»، بين الراسينغ وطرابلس، تلك التي أوقف بسببها، وبسببها أيضاً هبط فريقه. «قبل المباراة أُبلغت أن نادي طرابلس اعترض على استقدام حكّام من قبرص وطلب آخرين من الأردن. راسلت رئيس الراسينغ وأمين الصندوق حول هذا الموضوع وعلى أساس أنهما راسلا الاتّحاد وسيحضر القبارصة. وصلنا إلى المباراة فكان الحكم أردنياً؛ هو عينه ظلمنا في الموسم ما قبل الماضي» حتّى هنا، الأمور (عاديّة). «بعد انتهاء المباراة اقتربت من الحكم، فاقترب مني أحد الأشخاص من نادي طرابلس وقال لي: هيدا من ملّتنا ما تقرّب عليه. لمَ الدفاع عن الحكم بدلاً من الاحتفال بالنتيجة؟» يسأل مدرب الراسينغ السابق.
د اللعبة مغلوبٌ على أمره من الأندية والأندية تابعة للسياسيين وهؤلاء يحكمون
شبهة التلاعب بالنتائج في كلّ موسم حاضرة، بل أحياناً، يتم تأكيدها من اتّحاد اللعبة نفسه، بدون تدخّل للحل، لكن هذا، لا يعني أن الراسينغ هبط بسبب اتّفاقٍ بين نادٍ من هناك وآخر من هناك (إذا حصل)، وهو ما يعترف به عنتر. «هبوط الراسينغ يتحمّله الراسينغ بالدرجة الأولى. أنا أتحمّل المسؤولية، واللاعبين أيضاً، ووضع النادي المالي كان له دور، لكن للتلاعب بالنتائج الحصة الأكبر من المسؤولية».
يعود عنتر إلى حيث بدأ، ليس بحديثه فقط، بل إلى المكان الذي انطلقت منه مسيرته، إلى التضامن صور. «حتّى لا يُقال إنني أهاجم هذا النادي أو ذاك، سأهاجم بيتي». يطرح هدّاف المنتخب السابق مسألتَين. الأولى، تتعلّق بتطبيق الـ«فار» خلال مباراة التضامن والعهد، والثانية مواجهته أمام ناديه السابق. في الأولى يسأل: «في صور طُبّق الـ«فار» بعدما احتسب الحكم ركلة جزاء للعهد كانت كفيلة بخروجه فائزاً من المباراة، لكنّه تراجع عنها. ماذا لو حدث العكس؟ ماذا لو كانت ركلة الجزاء للتضامن؟ هل كان أحدٌ ليتدخّل بقرار الحكم؟». في الثانية، يعود إلى مواجهته مع التضامن، الذي كان حينها يحتاج إلى الفوز لحجز مركزٍ بين مقاعد النخبة، لكنّه خسر أمام الراسيغ. «لِمَ أقدّم نقاط المباراة للتضامن وأظلم نادياً آخرَ له الحق في الحصول على المقعد؟». هذا السؤال، يهدف إلى طرح قضيّة التلاعب بالنتائج، التي غالباً، تلفّ حولها جميع الأندية في لبنان. «ما حدا يقلّي بدي بيع وإشتري. أنا إبني بس إلعب معه ما بعطي ماتش». الموضوع واضح، ولا يحتاج إلى إشارة، و«النفي يعني الاستهبال»، أو هكذا يُشير عنتر.
الفساد مستشرٍ
«طول ما اللعبة هيك ما رح تتحسّن». هذه كلمات عنتر قبل سبعة أشهر، التي وجّهها إلى الجمهور، معتذراً منه عمّا بدر في تلك المباراة. لكن ما هو الـ«هيك»؟
يقول عنتر في حديثه إلى «الأخبار»: «مشكلتي مع الاتّحاد أنه يُساير كثيراً، وحين تُساير تغدو ضعيفاً. الأمثلة كثيرة: تُحدَّد مباراة بين فريقَين على ملعبٍ معيّن. يعترض أحد الناديين، يُساير، فتُنقل المباراة إلى ملعبٍ آخر. أنت اتّحاد، وعليك الضرب بيدٍ من حديد. عجبك تلعب على هذا الملعب عجبك، ما عجبك بتخسر». يريد عنتر تطبيق القانون، ومن لا يريد؟ سوى السلطة طبعاً، والسلطة لا تتمثّل باتحاد اللعبة فحسب، بل بالحكّام، غير الذين يرتدون بزّاتٍ موحّدة ويحملون صافرة أو راية على أرض الملعب، الحكّام، أي المسؤولين، من اتّحاد وبلديات ووزارة، ودولة. لا يدعو عنتر إلى تغيير الاتّحاد، بل إلى تطبيق القانون، لكن اتّحاد اللعبة مغلوبٌ على أمره من الأندية، والأندية تابعة للسياسيين، وهؤلاء يحكمون. «معظم من يعمل في اللعبة فاسد»، يقول من حمل شارة قيادة المنتخب اللبناني، والذي يُعتبر من أفضل اللاعبين الذي مرّوا على كرة القدم اللبنانية.
عموماً، البطولة متوقّفة حالياً، وستبقى كذلك حتّى 24 كانون الثاني، موعد الاستئناف حسبما أعلن اتّحاد الكرة، الذي لم يكشف عن آلية استكمال البطولة، التي قطعاً لن تُلعب بشكلها الطبيعي. 110 أيامٍ من التوقّف وقتٌ طويل، كوقت اتّخاذ قرارٍ حاسم. بالنسبة إلى عنتر، المهمّة ليست سهلةً على الاتّحاد في ظلّ الظروف التي يمرّ بها البلد وتنسحب على الأندية، وحضور الجماهير مرتبط بالوضع الأمني، والبلديات ترفض استقبال المباريات على أرضها، لكن في ما يخصّ الوضع المالي للأندية، فهي، برأيه، تتحمل جزءاً من المسؤولية. «نعلم أن معظم الأندية يدعمها رجال السياسة، لكن لمَ هذه الأندية لا تعتمد على نفسها عبر بيع التذاكر والقمصان والخدمات للجمهور؟ لمَ لا تستقدم المعلنين، ولمَ لا تعمل على استقدام لاعبين صغار لينضموا إلى أكاديمياتها حتّى تستفيد منهم لاحقاً؟». هذه بعض طرق الربح، التي تكرّرت على ألسنٍ عدّة دون تجاوبٍ من المعنيين.
بدلاً من أن تستقدمهم أندية العاصمة؟». يعلم صاحب الأكاديمية التي تحمل اسمه حجم الربح المالي من مشروع الأكاديمية، ويعرف أن ما باستطاعة النادي أن يحصل عليه أكبر بكثير، ليس ضمن هذا السوق فحسب، بل في الاستثمار باللاعبين مستقبلاً.
بين الرياضة والسياسة
في حكومة التكنوقراط يُعيّن الوزراء كلٌّ حسب اختصاصه. أمرٌ لطيفٌ لو اختير رياضي كوزيرٍ للشباب والرياضة؛ لطيفٌ وحلمٌ ساذج!
الرياضيون، غالباً، لا ينخرطون في الأحزاب، وغير الحزبي، أو غير المحسوب على حزب، لا يحصل على مقعدٍ وزاري. الجمهور يرشّح رضا عنتر، وفادي الخطيب (قائد منتخب لبنان لكرة السلة سابقاً) لمنصب وزير الشباب والرياضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الطموح غير موجود أساساً عند قائد منتخب كرة القدم السابق. «أنا رياضي ولا علاقة لي بالسياسة. لو أنني أطمح إلى الدخول في هذا المجال لروّجت للفكرة». عموماً، لا يتعدَّ الأمر تصويت الجماهير لاختيار ممثّلٍ لهم في الوزارة. الجمهور هو الجمهور، يشاهد ويتابع، ومن المفترض أن يُشجّع، لكنه لا يُساهم بالقرار، لكن ربما، يجب عليه أن يكون مشاركاً. وإذا كان المنصب الوزاري، أو حتّى الحصول على مقعدٍ في اللجنة التنفيذية للاتحاد، بعيداً عن عنتر، حتّى ضمن أهدافه، فالعمل ضمن جهاز فني ليس كذلك، لكنه يؤكّد، أن أحداً لم يتواصل معه ليكون ضمن الجهاز الفني للمنتخب، وأنه في المقابل لم يعرض خدماته أيضاً.
المدرّب الذي تنتهي عقوبته في نيسان المقبل، لا يشغل حالياً أيّ مركزٍ في الراسينغ، بعدما ترك وظيفته كمستشار فني، «لأنني لم أكن أعمل فعلياً». فك الارتباط كان وديّاً، ولصالح النادي، الذي وفّر عبء دفع راتب المستشار الفني في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة. عنتر يؤكّد أن ليس هناك أيّ اتفاق بينه وبين الإدارة حول عودته إلى منصب المدير الفني بعد نهاية العقوبة، لكن العودة إلى التدريب أمرٌ لن يبتعد عنه.
«ابني أفضل منّي»
قبل بدء المقابلة، يُشير عنتر إلى ابنه، فيصل، صاحب التسعة أعوام، الذي يلاعب الكرة كما باقي اللاعبين في الأكاديمية.
برأي عنتر، ابنه أفضل منه، ولو أن المقارنة لا تجوز حالياً. «في عمره كنت ألعب «السبع حجار»، وهو يمارس كرة القدم منذ فترة». يعود عنتر بالذاكرة إلى حين كان في عمر ابنه اليوم، قبل أن يسجّل ظهوره الأول في الدرجة الأولى مع التضامن صور بعمر الـ15، وقبل أن يُستدعى إلى المنتخب باكراً، ويحصل على جائزة أفضل لاعب في الدوري عام 2000. بل قبل أن يكون لاعب وسط أساساً. «أخي فيصل جرّني إلى اللعبة وكنت أشغل مركز حارس المرمى. كرهتها، لكن مع الوقت أحببتها». الاختلاف بين رضا وابنه، أن الأخير يعيش اللعبة منذ صغره، وقد يكون حدّد مركزه فيها، لكن هل يمارسها في لبنان؟ «هذا الأمر يعود له. فيصل يحمل الجنسية البريطانية وهو قادر على الانتقال إلى الخارج في أيّ وقت، لكن إذا كان هناك سببٌ واحدٌ قد يُجبرني على منعه من اللعب في لبنان، فهو إحساسي بأن بعض الناس قد يحاربونه لأنه ابن رضا عنتر». القصد هنا، انتقادات المشجّعين لأبناء اللاعبين السابقين أو المدربين، يختم رضا عنتر حديثه مع «الأخبار».
علي زين الدين الأخبار