منذ أسبوعين، ظهرت الشابة زهراء قبيسي على قناة «لنا بلاس» السورية، ضمن برنامج «موهبة وفكرة». تحدثت عن تجربتها الخاصة في فتح محال للصاج بعدما عاكستها ظروف العمل واضطرت لأن تكون خارج وظيفتها كمدّرسة لمادة الموسيقى. انتشرت هذه المقابلة على نطاق مقبول، وأعيد نشرها سعياً نحو إيجابية تتحدى الظروف القاسية الراهنة، لكن مع ظهور الشابة مرة جديدة على شاشة «المنار» في برنامج «يوم جديد»، لم تكن تتوقع أن تحاك حملة شعواء بحقها، تنزلق نحو لغة الإسفاف وتقزيم جهودها الفردية، التي أرادت منها تقديم مثال عملي على النهوض من جديد لا الإستسلام والإحباط. فيديو قصير انتشر لصاحبة «عالبال صاج» منذ يومين، على مواقع التواصل، تتحدث فيه قبيسي عن كيفية تحويل اللغة المحبطة الى نافذة أمل، واطلاق وصف «تحد إقتصادي» بدل «الأزمة الإقتصادية»، مع ضخ مزيد من التفاؤل في نفوس المحبطين، الذين يقفون ويستسلمون عند أول منحدر، فيما المطلوب التعاطي بزاوية مختلفة عن الواقع لاجتياز هذه الصعوبات. النشر الذي كان يهدف الى الإمثتال بالنموذج الذي قدمته قبيسي، مع ابتسامة عريضة لا تفارقها، وروحية جميلة تخرج مع كلامها، ما لبث أن تحول الى حملة شعواء بحقها، من قبل كثيرين انزلقت الى الحديث عن لباسها (ترتدي التشادور) وإهانته، ولم تنته الى اعتبارها امرأة «محششة» تتناول أدوية مهدئة، واتهامها أيضاً بالتغطية على الفساد من خلال التعمية على الأوضاع الحالية.
مع تصدّر اسمها ضمن قائمة التراندينغ على تويتر، ساهم هؤلاء من حيث لا يدرون في توسيع رقعة تناول قصة هذه المرأة، التي لم تستسلم لطردها من عملها، بل سرعان ما بحثت عن بدائل، وفي سيرتها أيضاً، الكثير من الإهتمام بالجوانب الصحية والبيئية، والثقافية، بما أنها عمدت الى توزيع أوراق صغيرة تتضمن اقتباسات تدعو الى التفّكر، في الوقت الذي ينتظر فيه الزائر شراء «منقوشة صاج» من محلها، عدا وجود الكتب داخل المحال الذي يقع في منطقة «النبطية». ربما كانت الحملة المضادة على قبيسي سبباً أساسياً في نشر تجربتها الخاصة، في وقت يسعى فيه كثيرون من ضمنهم الإعلام الى التسويق لثقافة الإنتحار والإستسلام، بعد إقدام عدد من اللبنانيين أخيراً على الإنتحار. تتداخل في قصة قبيسي التي أضحت رمزاً للتحدي والتفاؤل عوامل كثيرة أبرزها، الإقصاء الإنساني لأي مختلف عن البقية، وتعليبه ضمن أطر متخلفة، أو هامشية، وهذا يعود طبعاً الى ابراز هويتها العقائدية والدينية والفكرية. علماً أنها امرأة مثقفة درست الموسيقى وسعت من خلال تجربتها الى إدخال عناصر التثقيف الى مجتمعها. وأيضاً من ضمن ما يُقرأ من الحملة الشعواء عليها، أنها إمرأة لم تشبه السائد بلباسها وفكرها، لذا كانت خارج المنظومة النسوية المعلّبة التجارية، وظلت مطرودة من هذه الجنة، ومطموساً حقها في التعبير وتقديم نموذج لباقي النساء، في قضايا التمكين والإستقلالية وعدم الرضوخ للظروف بل صنع فرصة حياة للإستمرار مع رسم ابتسامة عريضة لقهرها والإنتصار عليها