كثرت الترجيحات حول تخلّف لبنان عن سداد دينه المستحق في 9 آذار المقبل على سندات يوروبوندز بقيمة 1.2 مليار دولار كأصل الدين و143 مليون دولار كفوائد. ترجيحات دفعت عوائد السندات المقومة بالدولار إلى الارتفاع إلى 200 في المئة نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن تتراجع قليلاً مع تشكيل الحكومة الجديدة بواقع 20 في المئة.
فالأزمة المالية والاقتصادية الداخلية المستمرة تضعف فرص نجاة لبنان من التخلف عن السداد. ولعل ما أدّى إلى تكثيف بيع هذه السندات، كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة “بلومبيرغ” عن اقتراح المركزي تبديل سندات الدين بالعملة الأجنبية (يوروبوند) إلى مارس المقبل، بسندات أخرى أطول أجلاً، واضعاً هذه الخطوة في إطار عمل لبنان على إدارة أزمة ديونه.
كما أظهر كلام الحاكم أن الاقتراح بالتبديل (Swap)، طُرح على حَمَلَة الـ”يوروبوندز” المحليين، أي البنوك المحلية، التي تحمل الكم الأكبر من دين الدولة بالعملات الأجنبية والليرة. إجراء لم تقابله البنوك بايجابية، فلجأت إلى بيع هذه السندات في الأسواق العالمية، وهذا ما يفسر ارتفاع العوائد إلى مستويات غير مسبوقة. كما دفعت المخاوف وإمكانية عدم سداد المستحقات وكالة “فيتش” إلى التحذير من تخفيض التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية، إن أصرّت الحكومة على المضي في مشروع استبدال السندات، الذي اعتبرته تخلفاً انتقائياً عن السداد أو Selective default.
واقع لبنان الذي يعاني من أخطر أزمة اقتصادية منذ عقود، دفع المستثمرين العالميين في السندات الأجنبية اللبنانية إلى دراسة احتمال تعثّر الدولة عن سداد ديونها، ولو أنّهم يختلفون بشأن موعد التخلّف عن السداد، وعما إذا كان المستثمرون الأجانب بمنأى عن نتائج هذا السيناريو.
إعادة هيكلة الدين حتمية
يبلغ إجمالي دين لبنان بالدولار الأميركي حوالى 32 مليار دولار من إجمالي دين يبلغ 87.7 مليار دولار، للمصارف حوالى 15 مليار دولار منها، فيما يحمل الأجانب حوالى 12 مليار دولار.
لذلك، وبحسب الخبير المصرفي جان طويلة، فإن أي إعادة جدولة أو هيكلة يجب أن تمر أولاً بالدائنين المحليين ثم الأجانب. فعلى وزارة المالية بدء مفاوضات جدية مع الدائنين في حال اتخذت قراراً بإعادة الهيكلة أو الجدولة، الذي يعتبره طويلة حتمياً.
ويرى أن الاستحقاق المقبل، في مارس، أصبح أقرب من قدرة الدولة على التعامل أو التفاوض بشأنه. بالتالي، فإن أي تخلف عن السداد من دون خطة واضحة ومتكاملة تأخذ بالاعتبار الاستحقاقات المقبلة، كما إدارة مالية الدولة، ستكون مكلفة جداً على لبنان، الذي سيُعتبر متخلفاً عن سداد ديونه. كما ستتضرر السندات المقبلة ذات الاستحقاقات الأطول في ظل فقدان الثقة من قبل الدائنين الدوليين، ما يجعل عودة الدولة إلى سوق السندات الدولية مستقبلاً شبه مستحيلة.
خلاف بين المالية والمركزي
طرح حاكم مصرف لبنان استبدال استحقاقات مارس بسندات لآجال أطول ولو بفائدة أعلى، لم يلق صدىً لدى وزارة المالية وتحديداً وزير المالية المستقيل علي حسن خليل، الذي كان وفي مراسلة إلى المركزي، أوضح أن الحكومة الجديدة ستناقش مصير استحقاق مارس، ضمن سلة حلول لتخفيف الضغوط الاقتصادية على لبنان وتردي وضع المالية، في تغاضٍ واضح لطرح المركزي.
توازياً، كان لسلامة موقف آخر، شرح من خلاله أن المصرف المركزي لم يتخذ قراره بعد بشأن منح قرض مرحلي للحكومة لتسديد سندات الـ”يوروبوندز” المستحقة عليها في 2020، كما حصل العام الفائت.
ففي عام 2019، ساعد المصرف المركزي الحكومة على تسديد “يوروبوندز” بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً عبر ما يُعرف بالـBridge loan. وفي تشرين الثاني الفائت، سدّد المركزي كامل قيمة سندات الـ”يوروبوندز” التي استحقت بقيمة إجمالية مع فوائد تبلغ 1.58 مليار دولار.
ويبدو مع استنزاف احتياطات المركزي من العملات الأجنبية، فإن تمويل الدين السيادي مجدداً مستبعد، خصوصاً أن الاحتياطي بالعملات يذهب حالياً ومع فقدان الدولار من الأسواق، إلى تمويل الحاجات الأساسية للبنان، كالمشتقات النفطية والطحين والأدوية والمستلزمات الطبية، وأخيراً أُضيف تمويل المواد الأولية للصناعة المحلية أيضاً.
فالاحتياطي بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان تراجع إلى مستوى 30 مليار دولار، منها سيولة قابلة للاستعمال تتراوح بين 16 و19 مليار دولار، ما يضع المركزي تحت ضغوط فعلية، بانتظار حل سياسي يترجم بمساعدات دولية وخطط طارئة لإنقاذ الاقتصاد.
التضخم المفرط يضرب لبنان
فيما يبحث المسؤولون عن تمويل استحقاقات دين سابق، يُطرح سؤال كبير بشأن الدين المستجد والناتج من عجز الميزانية المسجل عام 2019، والمتوقع أن يكون بمستوى العجز ذاته الذي سُجّل عام 2018. وقد يكون أعلى في ظل تراجع إيرادات الدولة بما يفوق 40 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019، بعد انفجار الانتفاضة الشعبية والاحتجاجات وتوقف الدورة الاقتصادية.
في هذا السياق، يوضح طويلة أن الدولة ستلجأ إلى طرح سندات بالليرة لتمويل عجزها في ظل عدم قدرتها على إصدار سندات بالعملة الأجنبية، كون الفوائد تسجل ارتفاعات قياسية تترافق مع عدم رغبة المستثمرين المحليين من بنوك ومؤسسات مالية أو مستثمرين أجانب في الاكتتاب. فمخاطر عدم السداد، أصبحت مرتفعة جداً.
أما طرح سندات بالليرة، فيحتِّم على المركزي طباعة مزيد من النقد، ما سيُترجم بمزيد من ارتفاع الكتلة النقدية، وبالتالي، مزيد من التضخم المستعر أصلاً في ظل ارتفاع الأسعار مع تفلّت سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية، الذي زادت قيمته بنسبة 40 في المئة مقابل الليرة.
استحقاقات دين لبنان لعام 2020
على الدولة اللبنانية تسديد ما مجموعه 2.2 مليار دولار خلال عام 2020، عدا الاستحقاقات الأخرى بالليرة. وتتوزع الديون المستحقة كالآتي:
آذار: 1.2 مليار دولار، منها 540 مليون دولار حصة المستثمرين الأجانب.
نيسان: 700 مليون دولار، 182 مليون دولار منها للدائنين الأجانب.
حزيران: 600 مليون دولار، 30 مليون دولار منها للدائنين الأجانب.
MTV