بهدوءٍ وتركيزٍ، يختار السفير الروسي لدى لبنان، الكسندر زاسبكين كلماته عند وصفِ المشهد اللبناني، هو المُتمَكِّن من اللغةِ العربيّةِ، والمُتمَسِّك بلغةِ الحوارِ كمدخلٍ أساسيٍّ لحلّ أزماتِ المنطقةِ.
اعلان
زاسبكين، الذي يفضِّل منطق “الأمل والتمنّي”، عند التداول بالملفات العربية والإقليمية كما الدولية، بعيدًا من “كليشيهات، الأجواء الإيجابية والتشاؤمية”، يُشجِّع الحَراك الشعبي الثائر بوجهِ الفسادِ والطامح الى أبسطِ حقوقهِ الإقتصادية والمالية والإجتماعية، ويحثّه على إستكمال الشعارات الديمقراطية، ومسار الإصلاح الذي لا يتحقّق إلّا بالوسائل والخطوات السلميّة والبنّاءة والتوافقيّة، على حدّ تأكيده.
في المقابل، يخشى السفير الروسي من تعرّضِ الحَراك لـ”خروقات متطرِّفة” قد تؤدي الى حروبٍ ارهابيّةٍ كما حصل في عددٍ من الدول العربية، وذلك بمساعدةِ أطرافٍ خارجيّةٍ، مع أنه لا يزال يستبعد هذا السيناريو في لبنان، وينبّه في الوقت نفسه، الى خطورة توظيفِ التحركاتِ في الشارعِ اللبناني لأهدافٍ تختلف عن مطالبِ المنتفضين وتصبّ في صالحِ بعض الدولِ، ولاسيّما الولايات المتحدة الأميركية التي تحاول جاهدًا الإيحاء بأنّ ما يحصل في لبنان موجّهٌ ضد حزب الله، في محاولةٍ منها لتزوير الوقائع والشعارات، لأهدافٍ خطيرةٍ من شأنها أن تؤدي الى زعزعة الأوضاع، من هنا ضرورة اليقظة والحذر.
ويعتبر زاسبكين في حوارٍ خاصّ مع “ليبانون ديبايت”، أنّه من الصعبِ تكهّن مصير الحَراكِ وتطوّر خطواته المستقبلية خصوصًا في الشّأن الحكومي، بيد أن تجربة الدول الأخرى ومنها سوريا، تدلّ على أنّ كلّ شيء ممكن وإحتمال الإنزلاق نحو الأسوأ واردٌ، لذلك، فإنّ المطلوب قيام لغة مشتركة ما بين القوى السياسية والأحزاب التقليدية، والمكونات الأساسية وعلى رأسها المجتمع المدني، لأن التعاطف مع الاصلاحات لن يؤدي الى نتيجة، باعتبار أنّ المطلوبَ تجسيد هذه الأهداف وفق آلية عمل مشتركة.
من جهة ثانية، يؤكد السفير، أن روسيا لا تضع “الشروط” لمساعدة لبنان، تاركًا الباب مفتوحًا أمام احتمال مشاركة الشركات الروسية في تنفيذ بعض المشاريع في لبنان سواء في قطاع النفط والغاز أو الكهرباء أو غيرها من القطاعات. ويشدد، على أنّ بلاده تتبع النهج نفسه تجاه لبنان منذ فترة طويلة، وتحرص على التواصل مع جميع الأطراف اللبنانية والاحزاب الممثلة في البرلمان حتى لو كان هناك تباينات مع بعض الأفرقاء في المواقفِ على الصعيدين الإقليمي والدولي، لأنها معنية بالأمن والإستقرار في الداخل اللبناني، وهي جزءٌ من مجموعةِ دعم لبنان الدولية، بيد أنّ الشيء الوحيد الذي لا توافق عليه في الأشهر الاخيرة، سياسة العقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة وتنتهك فيها الشرعية الدولية وهذا موقف سياسيٌّ ومبدئيٌّ.
في السياق، يرى زاسبكين، أن مواجهة العقوبات، تتطلّب الحشد وتوحيد موقف المجتمع الدولي تجاه هذه “التجربة الاميركية”، وتطوير العلاقات مع الدول الاخرى حتى يكون الجواب حاسمًا بهذا الشأن، مع ضرورة تطوير التعامل بالعملات الوطنية وتأسيس الصناديق المستقلة وتطوير القدرات الداخلية وتحقيق المشاريع المشتركة مع لبنان.
وتطرق السفير الروسي خلال الحوار مع “ليبانون ديبايت”، الى اقتراح الرئيس فلاديمير بوتين بشأن عقد اجتماع رؤساء الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، أي روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، معتبرًا، أنّه “ليس بصدفةٍ طرح هذه المبادرة اليوم، لأن تراكم المشاكل يمنع ايجاد الحلول لكلّ القضايا المطروحة، وبالتالي، فإذا تمكنا من تغيير المناخ الدولي نحو الأفضل نكون قد وضعنا الوسائل لاحراز التقدم سواء في القضايا الاقليمية أو الشرق أوسطية، إذ أنّه من مصلحة اللاعبين الدوليين ايجاد لغةٍ مشتركةٍ وتفاهمات لها أن تشكل نقطة تحوّل وصولاً الى نظامٍ أكثر عدالة، وهذا هو جوهرُ اقتراح الرئيس الروسي الذي سنعتمد عليه خلال المرحلة المقبلة”.
وبالانتقال الى المبادرة الروسية لحلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان، يشير السفير زاسبكين، الى استمرار المسعى الروسي لتأمين العودة الآمنة للنازحين السوريين، لكن اختلاف القوى السياسية اللبنانية حولها لا يزال قائمًا خصوصًا لناحية الحوار والتعاون اللبناني السوري الرسمي، من دون أن ننسى الدور السلبي الذي تلعبه الولايات المتحدة وحلفائها من خلال فرض العقوبات على سوريا وعرقلة التسوية السياسية فيها ما يؤثر أيضًا على الوضع في لبنان حيث هناك أصدقاء للأميركيين ويتشاركون معهم وجهات النظر.
ويُكرِّر السفير الروسي لدى لبنان، أنّ الحلّ في سوريا، يجب أن يكون سياسيًا من خلال الحوار الوطني، وأمنيًا للقضاء على الارهاب، وإقتصاديًا بهدف اعادة الإعمار، وهي بنودٌ نسعى الى تحقيقها مع الأطراف التي ترغب فعلًا في إنهاء الصراع القائم.
ريتا الجمال – ليبانون ديبايت