محمد وهبة – الاخبار
بشكل مباشر ووقح، دخلت جمعية المصارف على خطّ النقاش الحكومي بشأن إعادة هيكلة الدين والتوقف عن سداده ريثما تتفق الحكومة مع الدائنين. ما قالته الجمعية أمس هو ترجمة لانطلاق معركة توزيع الخسائر وسعي المصارف لنيل إعفاء منها، بمؤازرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
ما إن تسرّب خبر اتصال وزارة المال بصندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة التقنية من أجل تحديد موقف الحكومة من مسألة التخلّف عن سداد الدين وإعادة هيكلته، حتى أطلقت المصارف حملة تهويل تطالب بسداد استحقاق آذار 2020 الذي تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار، بالاستناد إلى حماية مصالح المودعين. هي نفسها الجمعية التي اتخذت قراراً بالتخلّف عن سداد أموال المودعين فيما كانت تواظب على تهريب أموال مساهميها وأعضاء مجالس إدارتها وكبار المودعين إلى الخارج.
برّرت الجمعية موقفها بأنه يأتي «حماية لمصالح المودعين»، و«محافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية»، ثم «صون علاقات لبنان مع المصارف المراسلة وجلّها من الدائنين الخارجيين». لهذه الأسباب ترى «وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله». ولم تكتف الجمعية بهذا المقدار من الوقاحة، بل وجّهت تهديداً مباشراً للحكومة ملوّحة بورقة المجتمع الدولي بوجه الرئيس دياب لثنيه عن خطوة إعادة هيكلة الدين العام: «التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة يشكّل مؤشراً مهماً إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلاً».
إذاً، بالنسبة إلى المصارف، فإنّ ما يهمّها أولاً هو حماية مصالح المودعين. إعلانٌ ينطوي على غشّ موصوف. فهذه المصارف، هي الطرف الذي أساء ائتمان المودعين عندما وظّف أكثر من 70 مليار دولار من أموالهم في مصرف لبنان سعياً وراء الربح السهل والسريع من دون درس مخاطر هذا التوظيف. والفضيحة أنه تبيّن للمصارف أنها لا تملك القدرة على استرجاع قرش من هذه الأموال من مصرف لبنان الذي فرض عليها الاستدانة بالدولار بفائدة 20%. والأسوأ من ذلك، أنه بحسب اعترافات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخيرة، تبخّر أكثر من 40 مليار دولار من الأموال الموظّفة عنده من المصارف، أي من أموال المودعين.
في المقابل، تتعامل المصارف مع المودعين بازدراء واستنسابية لا مثيل لهما، إذ إنها ترفض إعطاءهم ودائعهم وتقنّن عمليات سحب الدولار النقدي إلى حدود ضيّقة جداً وصلت في مطلع الأسبوع الجاري إلى 200 دولار في الأسبوعين.
أما بالنسبة إلى ذريعة «المحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية»، فهذه الكذبة باتت باهتة جداً، لأنه في ظل الإجراءات والتدابير التي اتخذتها المصارف طوعاً بهدف تقييد حريّة عمليات السحب والتحويل والقطع بشكل غير نظامي أو ما يسمى «كابيتال كونترول» غير النظامي، تضرّرت سمعة لبنان في الأسواق المالية العالمية وتوقفت التدفقات إلى لبنان خوفاً من دخولها إلى سجن عشوائي يحكمه أباطرة المصارف. بفضل المصارف، ورفض سلامة إقرار الكابيتال كونترول النظامي، لحق ضررٌ هائل بالنظام المالي كلّه في لبنان وبات يصعب إصلاحه على مدى سنوات مقبلة. بل على العكس، أثبت الكثير من الدراسات والتجارب التي خاضتها بلدان كثيرة عمدت إلى تقييد عمليات السحب والتحويل بشكل رسمي وإجراء عمليات إعادة هيكلة واضحة، أن القيام بخطوات ثابتة لتنفيذ إعادة هيكلة منظّمة، يؤدي إلى استعادة الثقة الدولية بالنظام المالي خلال سنتين كحدّ أقصى.
وفي ما خصّ «صون علاقات لبنان مع المصارف المراسلة وجلّها من الدائنين الخارجيين»، فإن هذه المسألة بالتحديد تتعلق أساساً بأداء المصارف وليس بديون الدولة اللبنانية المنوي إعادة هيكلتها. فلو حافظت المصارف على سيولة خارجية كافية، لكانت قد تمكّنت من التعامل مع مصارف المراسلة في هذه الأوقات الصعبة. فبحسب المعلومات، هناك أكثر من مصرف تخلّف قبل بضعة أسابيع عن سداد ديونه أو التزاماته للمصارف المراسلة، وهناك عدد أكبر من المصارف المهدّدة بالتخلّف عن سداد التزاماتها مع مصارف المراسلة بسبب ضحالة سيولتها الخارجية وعدم قدرتها على سداد المستحقات.
بفضل المصارف وسلامة، لحق ضررٌ هائل بالنظام المالي وبات يصعب إصلاحه قريباً
هذا الأمر يثير الاستغراب في قطاع مصرفي يفترض أنه كان الأكثر تطوراً في المنطقة: لماذا لم تحافظ المصارف على سيولتها الخارجية بمستويات كافية تحسّباً لأزمة مرتقبة منذ سنوات؟ يقول مصدر مصرفي، إن الجشع والطمع دفعا المصارف إلى تحويلها سيولتها الخارجية إلى لبنان لتوظيفها في هندسات مصرف لبنان التي انطوت على أرباح سخيّة للمصارف أغرتها من دون دراسة المخاطر المترتّبة على ذلك. هذا الجشع هو الذي سيقفل أبواب المصارف المراسلة أمام المصارف اللبنانية وليس إعادة الهيكلة. صحيح أن ما هو مطروح اليوم من عملية إعادة هيكلة سيؤثّر في رساميل المصارف، إلا أنه يجب أن يكون نتيجة تلقائية للجشع والطمع وسوء الإدارة. وهذا يعني أن المصرف الذي يفلس يجب تصفيته ووضع اليد عليه من قبل مصرف لبنان لإنقاذ أموال المودعين لا لإنقاذ مساهميه بأموال صغار المودعين.
ما تطلبه جمعية المصارف في بيانها الأخير، هو أن ندفع للدائنين بأموال المودعين، فيما يرفض مالكوها أن يدفعوا مدّخرات الناس المودعة لديهم من أموالهم الخاصة التي تراكمت من الأرباح الطائلة المحقّقة على مدى عقدين ونصف عقد؟ ولماذا لا تدفع المصارف بأموال كبار المودعين الذين استفادوا أيضاً من الهندسات وضاعفوا رساميلهم مرات ومرات على حساب الاقتصاد الوطني؟
يقول مصدر وزاري إن الحملة التي تقودها المصارف في اتجاه مواصلة السداد للدائنين بأموال المودعين، هي الحملة التي يقودها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ فترة ملوّحاً بأن لبنان سيتعرّض لأقصى العقوبات المالية إذا امتنع عن سداد الديون، كما أنه سيتعرّض لحجز أصول الدولة وموجوداتها من ذهب وطائرات وعقارات وسواها… عملياً يتغافل سلامة والمصارف بأن الحصار المالي واقع على لبنان منذ سنوات، وأن عقود اليوروبوندز تعطي الدائنين حصانة ما بقوة محاكم نيويورك، لكنها تستثني الأصول السيادية أو الأصول المملوكة من مصرف لبنان.
احتساب ضمان الودائع
طلبت لجنة المصارف من المصارف تزويدها لمرّة واحدة فقط وضمن مهلة أسبوعين، بالمعلومات المتعلقة بشرائح الودائع وعدد العملاء على أساس ميزانية المصرف الشهرية في نهاية 2019، وحدّدت شرائح الودائع بقسمين: لغاية 75 مليون ليرة، وما فوق 75 مليون ليرة. بحسب مصادر مطّلعة، فإن هذا القرار اتّخذ من أجل معرفة عدد المودعين وقيمة ودائعهم التي تصل إلى 75 مليون ليرة. يتيح هذا الأمر للجنة الرقابة احتساب أمرين بالاستناد إلى التعديلات الأخيرة التي أجريت في موازنة 2020 على القانون 110 ورفع قيمة الضمانة على كل وديعة من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة:
ــــ الأمر الأول يتعلّق بالمبالغ التي سيدفعها كل مصرف لمؤسسة ضمان الودائع عن عدد العملاء وودائعهم لديه ضمن الحد الأقصى للوديعة.
ــــ الثاني يتعلّق باحتساب قيمة الضمانات المترتّبة على كل مصرف في حال إفلاسه.