خضع وزير الاقتصاد راوول نعمة لجشع كارتيل المطاحن والمخابز، فكانت النتيجة سحب رغيف خبز من فم الفقراء لإشباع أصحاب الملايين. وأصدر نعمة قراراً أمس حدد بموجبه وزن 900 غرام كحدّ أدنى لربطة الخبز مقابل سعر 1500 ليرة لبنانية، فيما كانت تُباع الربطة بوزن 1000 غرام مقابل 1500 ليرة لبنانية. أما ربطة الخبز حجم وسط، فحدد لها 400 غرام كحد أدنى بسعر 1000 ليرة لبنانية كحدّ أقصى. برر وزير الاقتصاد هذا الإجراء بـ«الدراسة العلمية التي أجرتها الوزارة لمؤشر سعر ربطة الخبز، مقابل المتغيرات العالمية والمحلية لأسعار المواد الداخلة في صناعة الرغيف، بالإضافة الى مستندات قدمها أصحاب الأفران تبرز مصاريف الصيانة وغيرها على سعر صرف الدولار». لكن الوزير نفسه صرح قبل دخوله الى جلسة الحكومة يوم أمس بأن «لا أزمة خبز ولا تغيير في قرار القمح بل تصحيح خطأ، مضيفاً بأن الكميات تكفي وبعض الأفران فقط قد تعلن التصعيد من جديد». أبعد من ذلك، وقبيل نحو شهرين، خاض نعمة معركة في وجه «الكارتيل» وامتنع عن زيادة 100 ليرة على سعر الربطة، مانعاً التلاعب بالوزن أو السعر. يومها تسلّح بدراسة أجرتها وزارة الاقتصاد لتحديد هامش ربح أصحاب الأفران والسوبرماركت، فثبت له بعد تفنيد تكلفة الإنتاج واحتساب الـ 15% التي يدفعها المستوردون من ثمن القمح، بحسب سعر صرف يوازي 3100 ليرة لبنانية للدولار الواحد، أن كلفة ربطة الخبز تبلغ 1093.53 ليرة لبنانية. وإذا ما تمت إضافة كلفة صالة العرض أي الأفران (بنسبة 12%) فتصبح 1224.75 ليرة لبنانية. وذلك يبقي ربحاً صافياً للفرن بقيمة 275 ليرة لبنانية على الربطة الواحدة، أي ما نسبته 22%. فيما إذا جرى توزيعها الى الخارج ومع احتساب كلفة النقل والتوزيع بقيمة 125 ليرة، يحتفظ الفرن بربح قيمته 131 ليرة على الربطة، ويكسب السوبرماركت أو الدكان ربحاً بقيمة 150 ليرة للربطة الواحدة، أي ما تفوق نسبته الـ 10%. وفق ذلك الجدول، استنتج وزير الاقتصاد آنذاك أن هامش الربح في بيع الجملة والتوزيع 12% وهامش الربح في البيع داخل الفرن 22%، علماً بأنه في ظل التشدد بالالتزام بالوزن والسعر الثابتين في حينها، كان «الاحتيال» لا يزال شغالاً إذ تم اتخاذ إجراءات عدة بحق أفران ومطاحن تلاعبت بوزن ربطة الـ 1000 غرام، فكانت تطبع الوزن على غلاف الربطة بينما الوزن الحقيقي كان يبلغ أحياناً 800 غرام. من ناحية أخرى، ثمة علّة ما في حسابات الوزير، إذ حدد وزن ربطة الخبز حجم وسط بـ 400 غرام كحد أدنى مقابل 1000 ليرة لبنانية، فيما سعر الربطة الكبيرة بوزن يفوق الضعف، أي 900 غرام، 1500 ليرة لبنانية. لا أحد يدري هنا، النسبة التي استند إليها نعمة لاعتماد أرقام مماثلة. حاولت «الأخبار» الاتصال بوزير الاقتصاد لسؤاله عما سبق من دون أن تحصل على جواب.
أحد الاقتصاديين يصف قرار وزارة الاقتصاد بـ«غير المنطقي»، في ظل ثبات سعر الدولار وعدم ارتفاعه بشكل دراماتيكي منذ أكثر من شهر. ما هي المتغيرات التي يتحدث عنها وزير الاقتصاد إذاً، ولماذا مستندات التجار وأرقامهم كانت «مضخمة» منذ شهر وباتت اليوم مقنعة للوزير نفسه؟ علماً بأن استيراد القمح يحصل عبر مصرف لبنان وفق سعر الصرف الرسمي بنسبة 85% بينما تقع الـ 15% الباقية على عاتق التجار. ما يعني أن القمح لا يتأثر بارتفاع سعر صرف الدولار إلا قليلاً، فيما يفترض بتراجع أسعار المحروقات أن يسدّ هذا الفارق إن وجد، بل يؤمن ربحاً إضافياً. ثمة من يؤكد هنا أن «الكارتيل» لن يشبع وسيواصل تلاعبه بالوزن رغم امتثال الوزارة لابتزازه، في ظل انعدام أي مراقبة وسعي التجار الدائم الى تكديس الأرباح فوق الأرباح، وخصوصاً مع استعمالهم القمح «المدعوم» في منتجات أخرى كالحلويات وأنواع الخبز المتعددة التي يبيعونها بأسعار مرتفعة.
ثمّة خطب ما في حسابات الوزير والنسب المعتمدة في تحديد سعر ربطة الخبز المتوسطة الحجم
ارتفاع سعر واحدة من المواد الأساسية للمستهلكين في ظل الوضع الاقتصادي الراهن وجنون الأسعار لا يبشّر بالخير، كذلك تخلّي حماية المستهلك عن دورها. إزاء ذلك، قامت بعض مجموعات الانتفاضة («شباب 17 تشرين» و«rebels» و«لبنان ينتفض») بإطلاق هاشتاغ يوم أول من أمس #راوول_بلا_نعمة و#نحن_حماية_المستهلك، ونشرت فيديو تعرض فيه أسعار السلع قبل شهرين واليوم. وتستعدّ بعض المجموعات لإقامة اعتصام دائم أمام وزارة الاقتصاد ونصب خيم لهذا الغرض، ولا سيما بعد «انهيار الوضع الاقتصادي وفلتان التجار على هواهم».
al-akhbar