يتواصل، منذ نحو ثلاثة أسابيع، تسجيل مئات الإصابات بفيروس كورونا يومياً، ما جعل لبنان «يتسلق» لائحة أعداد المصابين من المرتبة الـ 100 الى المرتبة الـ 88 في نحو شهر واحد. ورغم أن كل المعطيات كانت تشير الى موجة ثانية من الاصابات، أصرّ «صنّاع القرار» في لبنان على إدارة «الأذن الطرشاء» للعودة الى الاقفال. ففي 17 تموز الماضي، وضمن سياق تطميني يهدف الى استبعاد خيار الإقفال، قلّل رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي من شأن القلق من ارتفاع أعداد الاصابات، باعتبار أن نسبة المرضى الذين يدخلون إلى العناية الفائقة قليلة، متجاهلاً جوهر الإغلاق الذي يرمي إلى تجنب الضغط الفجائي على المُستشفيات، فيما عوّل وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن على «التعايش» مع الفيروس لتبرير العودة عن الاقفال.
اللافت أن حسن أعلن أمس أن أسرّة العناية الفائقة في المُستشفيات الحكومية والخاصة في بيروت «امتلأت»، فيما تُشير أرقام وزارة الصحة إلى وجود 68 إصابة في العناية الفائقة. فهل وصلت هشاشة القطاع الاستشفائي إلى حدّ «يغصّ» معه بمثل هذا العدد الضئيل من الإصابات؟ وإذا كان الحديث هنا يقتصر على مُستشفيات بيروت، فماذا عن أسرّة المُستشفيات في بقية المناطق؟
هذه المُعطيات تخالف كل ما روّجت له وزارة الصحة، ومن خلفها الحكومة، عن وجود أكثر من 2300 سرير للعناية الفائقة (عراجي كان قد صرّح بأن عدد أسرّة العناية في المُستشفيات الحكومية لا يتعدى الـ300)، كما تطرح تساؤلات بشأن الوعود التي أطلقت بتجهيز المُستشفيات الحكومية في المناطق (معظمها لا يعمل)، ووعود بتجهيز مراكز للحجر الصحي تعدّ من البديهيات. والأنكى أنه بعد خمسة أشهر على دخول الوباء إلى البلاد، وانتشاره حالياً بشكل مقلق، خرج وزير الصحة أمس ليُطالب بتجهيز مركز للحجر في كل محافظة!
رئيس قسم الوقاية الصحية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو أكّد لـ«الأخبار» أن غرف العناية الفائقة بلغت قدرتها الاستيعابية القصوى في مُستشفيات النبطية والبوار وطرابلس الحكومية. وقال إن هناك 13 مُستشفى حكومياً تعمل، «لكن ثمة مشاكل بنيوية تعاني منها بقية المُستشفيات الحكومية تجعلها غير قادرة على استقبال حالات كورونا»، مشدداً على أن المُستشفيات الخاصة باتت مُلزمة باستقبال المُصابين، علماً بأن حسن لمّح، بموجب حال الطوارئ المعلنة في العاصمة، إلى خيار وضع الجيش اللبناني يده على المُستشفيات الخاصة التي لا تستقبل مرضى كورونا وإلزامها بذلك، فيما قال رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ«الأخبار» إن الأمر مرتبط بجاهزية المُستشفيات وقدرتها على الاستقبال، لافتاً إلى أن هناك 30 مُستشفى خاصاً مجهزاً لاستقبال الاصابات بالفيروس، «ما يعني أن هناك نحو 500 سرير عادي وعناية فائقة قابلة للاستخدام».
وقد سُجّلت أمس 456 إصابة جديدة (436 مُقيماً و20 وافداً)، 11 منها في القطاع الصحي (إجمالي المُصابين في القطاع 418 شخصاً) ليرتفع عدد المُصابين الحاليين إلى 6423. ومن بين هؤلاء، 255 يتلقّون علاجاً في المستشفيات (66 منهم حالتهم حرجة). أما عدّاد الوفيات فقد وصل إلى 105، بعد تسجيل حالتي وفاة في الساعات الـ 24 الماضية.
يبقى أن الأخطر من ذلك كله هو ما صرّح به وزير الصحة، عقب ترؤسه اللجنة العلمية في الوزارة أمس، عن أن «الإعلان عن رقم معين للإصابات يعني أن هناك إصابات أخرى مضاعفة بحوالى عشر مرات لم يتم تشخيصها». بمعنى آخر، فإن أرقام الاصابات يومياً، وفق «معادلة حسن»،
تتجاوز الأربعة آلاف يومياً!

وزارة الصحة: مطلوب الالتزام مئة في المئة بالإجراءات وإلا فنحن ذاهبون إلى المهوار

وأمام تفاقم الواقع الوبائي، عاد الحديث عن خيار الإقفال لأسبوعين «لأننا أمام تحدٍّ حقيقي (…) والأرقام التي تُسجّل في الآونة الأخيرة صادمة والموضوع يحتاج إلى إجراءات صارمة، لأن الوضع لم يعد يحتمل»، بحسب حسن.
المدير العام لوزارة الصحة بالانابة فادي سنان أوضح لـ«الأخبار» أن خيار الإقفال «وارد» خلال الساعات الـ48 المُقبلة لكبح الفيروس الآخذ بالانتشار، «لكنه لا يشمل المطار».
ووفق مقررات اللجنة العلمية، فإنّ قرار الإقفال، في حال أُقرّ، سيستثني بيروت التي تخضع لحالة طوارئ. كما أوصت اللجنة بضرورة التزام الوافدين الحجر أسبوعاً في مكان الإقامة وفي الفنادق حتى صدور نتيجة الـpcr (…)، وباتخاذ إجراءات خاصة لموقع انفجار المرفأ وأنشطة الجمعيات المختلفة لمواكبة العائلات المتضررة بالتنسيق مع القوى الأمنية والعسكرية ذات الصلة، لضمان نجاح الدعوة إلى الإقفال. ودعت إلى تفعيل دور مراكز الحجر المعتمدة في المناطق، مع اعتماد مراكز إضافية بحيث يعتمد مركز حجر إضافي في كل محافظة، فضلاً عن تفريع بعض المستشفيات الحكومية وتخصيصها لمرضى كورونا، و«تحويل بعض المستشفيات الميدانية، ولا سيما من الهبة القطرية، لمعالجة المصابين واعتماد مستشفيين ميدانيين آخرين في كل من الشمال والجنوب».
في هذا الوقت، تبقى الدعوة الرئيسية الى المُقيمين بضرورة الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي وتطبيق شروط الوقاية، «والمطلوب الالتزام مئة في المئة، وإلا فنحن ذاهبون إلى المهوار»، وفق الحلو. ولئن كان اللوم بعدم اعتماد حل وسط بين الإقفال والانفلات يُلقى على المُقيمين الذين لم يلتزموا بالتدابير الوقائية أثناء استئنافهم حياتهم الطبيعية، فإنّ الأولى أن يُلقى اللوم على السلطة التي لم تستطع تفعيل الرقابة على الالتزام بالشروط والمعايير.