مع الطيّ الرسمي لمُحاولة إعادة سعد الحريري كرئيس مُكلّف بتأليف الحكومة الجديدة، استذكرت البلاد مشهد الأزمة التي انفجرت بعدَ ١٧ تشرين، وسقوط حكومة الحريري السابقة. آنذاك، تمسّك الثنائي حزب الله وحركة أمل بالتفاهم مع الحريري، إلا أن قرار الأخير يومها بالانسحاب من نادي المرشحين، لعدم توافر الاتفاق على اسمه، نقلَ الجميع إلى الخطة «ب» بإشراكه في التسمية، وتأمين غطاء منه لأي شخصية تقبَل بالتكليف.
وغداة طلب الحريري أمس سحب اسمه للمرة الثانية من التداول كأحد الأسماء المطروحة لتأليف الحكومة العتيدة، شخصتْ الأنظار إلى 3 مسارات جديدة:
الأول، أن يرفض الحريري مُجدداً تسمية مرشّح من قبله لتأليف الحكومة، فيضطر فريق ٨ آذار – التيار الوطني الحر إلى تكرار تجربة حسان دياب، مع ما يحمِله ذِلك من مخاطِر، في ظل العمل على إنشاء جبهة سنية ترعاها دار الفتوى دفاعاً عن مقام رئاسة الحكومة في وجه ما تعتبره «مصادرة الصلاحيات ووضع اليد على الموقع السني الأول».
والمسار الثاني، إعادة إحياء خيار نواف سلام، الذي يرفضه ثنائي حزب الله وحركة أمل، بينما لا يمانع تسميته التيار الوطني الحر، وتتحمس له باقي القوى، وتحديداً القوات اللبنانية والنائب السابق وليد جنبلاط، فيما يرفضه الحريري ضمنياً، وإن أعلن عكس ذلك.
أما المسار الثالث، فهو أن يسمّي الحريري مرشحاً آخر، يوافق عليه كل من التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، ويحظى بدعم فرنسي يستعجل التوصل إلى حل لتفادي الأسوأ في لبنان.
حتى صباح يوم أمس، كانَ الرهان مُستمر على المسعى الفرنسي لإقناع الخارج، وتحديداً المملكة العربية السعودية، بالسير في حكومة يرأسها الحريري، وذلك في موازاة مسعى داخلي لإقناع النائب وليد جنبلاط بذلك. وقد بلغَ الرهان حدّ الاقتناع بأن الحريري «يُريد العودة لكنه يتدلل، ويرفع سقف شروطه، وفي النهاية سيقبَل التكليف». غيرَ أن هذه الرهانات كلها سقطت، بعد التأكّد من الموقف السعودي المتحفظ على عودة الحريري بحجة أنهم لا يُريدون له أن يكون متراساً لإنقاذ العهد وتوسيع نفوذ حزب الله، إضافة إلى تعنّت جنبلاط وإصرار القوات على موقفها. عوامِل كلها اجتمعت ودفعت بالحريري إلى إعلان الانسحاب، بعدَ أن أبلغَ موقفه هذا إلى النائب علي حسن خليل الذي التقاه أول من أمس. وأعلن رئيس تيار المستقبل في بيان «انني غير مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة وأتمنى من الجميع سحب اسمي من التداول في هذا الصدد».
أمام الموقِف المفاجئ للحريري، والذي ذكّر بانسحابه بعد 17 تشرين، يجِد المتمسكون بالتفاهم معه أنفسهم أمام خيار التشاور معه حول اسم جديد، على أن يُسميه هو أو يحظى ببركته. يأتي ذلك بعد فشل المساعي التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وقامت على فكرة القبول بشروط الحريري، قبلَ أن تصطدِم برفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل.
وفي ظل تمسّك حركة أمل وحزب الله بالتفاهم مع الحريري على اسم مرشّح لرئاسة الحكومة، أكّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن «لا أسماء مرشحين لدينا في الوقت الحالي، لكن خيارنا الأول والأفضلية في التسمية هي لمن يسمّيه سعد الحريري»، عازية ذلك الى أن الأخير هو من يملك شرعية التمثيل السنّي. وهل يشمل ذلك السفير السابق نواف سلام مثلاً؟ أجابت: «لا نعارض شخص نواف سلام، لكننا في الوقت نفسه نريد أن تكون الشخصية التي يسمّيها الحريري عامل جمع لا قسمة، وألا يتسبّب الاسم في مزيد من العرقلة لأن البلد لا يتحمل». وأكدت المصادر أن التيار لم يكن ليشارك في حكومة يرأسها الحريري نفسه «لأننا نعتقد أن المرحلة تحتاج الى رئيس حكومة شغّيل وقبضاي»، كما أنه يشترط أن «تلتزم الحكومة المقبلة ومجلس النواب ببرنامج إصلاحات، ولا يهمنا أن نكون ممثلين فيها سواء بشكل مباشر أم غير مباشر. لا نريد مشكلاً في البلد. وبالتأكيد لن نتصرف معها كما تصرف غيرنا مع الحكومة السابقة والتي قبلها».

سقط الرهان على المسعى الفرنسي بتسويق الحريري عربياً ودولياً

في سياق آخر، تستمر زيارات الموفدين العرب والأجانب إلى بيروت بعد انفجار المرفأ، وآخرهم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. واستهلّ الوزير القطري زيارته بلقاء مع الرئيس عون، ثم توجّه للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، فرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فوزير الخارجية والرئيس الحريري وجنبلاط ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، واختتم لقاءاته في بكركي مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.
ورداً على سؤال عن وديعة قطرية، أجاب آل ثاني: «ليس هناك أي تصريح رسمي من دولة قطر بأن هناك وديعة للبنان. كانت هناك محادثات بشأن كيفية دعم لبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية، ومن المؤكد أن هذا الدعم يتطلب تعاوناً من جميع الأطراف في مجال التشريعات اللازمة له، ونحن ما زلنا في إطار المحادثات. لكن الانفجار الذي حصل عطّل هذه المحادثات، ونتطلع إلى استئنافها من جديد فور حلول الاستقرار».

al-akhbar