مبالَغاً فيه بدا الاحتفاء الإسرائيلي بالرحلة المباشرة من تل أبيب إلى أبو ظبي، والتي استغرقت ثلاث ساعات و17 دقيقة فقط بفعل مرورها في الأجواء السعودية. وفيما دَشّنت البعثة الإسرائيلية – الأميركية المشتركة وضع اتفاق التطبيع موضع التنفيذ، كانت الأصوات تتعالى في تل أبيب بالتخفيض من سقف التوقعات، والتنبيه إلى أن جزءاً كبيراً من «الهمروجة» يعود إلى حسابات سياسية وانتخابية
حماسة بن شبات ومَن معه للرحلة التي وُصفت بـ«التاريخية» كونها الأولى من نوعها لطائرة إسرائيلية، قابلتها دعوات محلّلين إسرائيليين إلى التخفيف من المبالغة في شأن تأثير اتفاق التحالف بين تل أبيب وأبو ظبي، والذي بدأ وضعه، عملياً، على سكّة التنفيذ. إذ وُقّعت أمس، وستُوقَع اليوم، اتفاقيات تطبيعية في أكثر من مجال، من بينها الصحة، والتجارة، والسياحة، والتكنولوجيا، والصناعة. وتطبيقاً لذلك، من المتوقع، في مجال السياحة وحده، أن يصل في غضون الموسم القريب أكثر من 300 ألف إسرائيلي إلى الإمارات، و500 ألف آخرين في الموسم الذي بعده، وخاصة أن إسرائيل صنّفت الإمارات ضمن «المناطق الخضراء» المسموح السفر إليها في ظلّ جائحة «كورونا».
ولدى وصول طائرة «إل – عال» إلى أبو ظبي، كرّر رئيس البعثة الأميركية – الإسرائيلية المشتركة، مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، كلامه عن أن «السلام أمرٌ ملحّ لشعوب المنطقة… الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قادر على تغيير مسار الشرق الأوسط»، آملاً أن تكون رحلته هذه «باكورة رحلات أخرى بين الإمارات وإسرائيل». وجدّد كوشنر دعوته الفلسطينيين إلى عدم «الركون إلى الماضي، وأن يعودوا إلى طاولة المفاوضات»، كخطوة لـ«تحسين مستقبلهم»، معتبراً أن الرحلة الإسرائيلية إلى أبو ظبي، والتي لقيت إدانة من مختلف الفصائل الفلسطينية، تبعث بـ»رسالة أمل» لهم.
ولم تشمل البعثة موفدين من وزارة الأمن و«الموساد»؛ إذ تَقرّر فصل المحادثات السياسية والتجارية عن المحادثات الأمنية، فيما أُجّل، أول من أمس، سفر الوفد الأمني حتى الأسبوعين المقبلين، وذلك «تفادياً لتركيز وسائل الإعلام على صفقة طائرات إف 35 التي تطالب أبو ظبي بشرائها من الولايات المتحدة»، مع أنه بات واضحاً أن إسرائيل تستغلّ الجدل الدائر في شأن الصفقة – التي يبدو أنها ستمرّ في نهاية المطاف – من أجل استحصال وسائل قتالية أكثر تفوّقاً من الحليف الأميركي، في حين تسعى الإمارات إلى تصدير انطباع بأنها نالت ثمناً لاتفاق التطبيع، وأن الأخير ليس خدمة مجّانية. وبحسب موقع «واينت»، التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قرار إخراج مندوبي وزارة الأمن وجهازَي «الشاباك» و«الموساد» من البعثة جاء بعد طلب أميركي – إماراتي مشترك أولاً، وثانياً لكي يتسنّى للوفد الأمني الذي سيرأسه المدير العام لوزارة الأمن، أمير إيشل، بحث المواضيع الأمنية بشكل منفصل، وخاصة أنها ستشمل نواحي سرية وحساسة.
الإسرائيليون لم يكترثوا للاتفاق لأن الإمارات لم تكن في حالة حرب معهم أصلاً
في هذا الوقت، قَلّل محلّلون إسرائيليون من أهمية الاتفاق بين أبو ظبي وتل أبيب وتأثيراته. إذ لفتت المراسلة السياسية لصحيفة «هآرتس»، نوعا لاندو، إلى أن «الإسرائيليين لم يكترثوا أو يبالوا بالاتفاق»، والسبب هو أن الإمارات لم تكن أصلاً في حالة حرب مع إسرائيل، بل كانت هنالك زيارات سرية واستضافة لوفود رياضية وغيرها. واعتبرت لاندو أن نتنياهو «يستغلّ الاتفاق للتصويب على خصومه اليساريين من أجل القول إن السلام ممكن من دون تقديم تنازلات للفلسطينيين». من جهته، وصف المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، الاعتقاد السائد بأن ملايين الدولارات ستُضخّ إلى إسرائيل مباشرة من دبي بأنه «غير واقعي»، عازياً ذلك إلى أن «الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل مسألة حسّاسة، وخاصة في مجال البنى التحتية»، والدليل على ما تقدّم شكل التعاون بين تركيا وإسرائيل في هذا المجال، وأيضاً الاستثمارات الصينية في إسرائيل، والتي قوبلت بضغوط عدّة من قِبَل الولايات المتحدة.
بالنتيجة، ليس الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل سوى استكمال طبيعي للمسار الذي سلكته الأولى منذ زمن، في توقيت بدا بمثابة حبل نجاة لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهماً بالفساد وتظاهرات تطالبه بالاستقالة، وأيضاً أزمة سياسية عميقة مع شركائه في الحكم. ولعلّ هذا ما بدا واضحاً في الفيديو الاستعراضي الذي نشره نتنياهو أمس على صفحته الشخصية في «تويتر»، حيث ظهر وهو يحادث هاتفياً الوفد المغادر إلى أبو ظبي، مُحرّكاً سبابته فوق الخريطة ليشير إلى أن الطائرة الإسرائيلية التي «ذهبت تصنع السلام» في أبو ظبي عَبَرت فوق السعودية، وطالباً من الوفد أن يوصل سلامه: «مني ومن شعب إسرائيل قولوا أهلاً وسهلاً للإماراتيين». المفارقة أن هذا الفيديو أثار تعليقات غاضبة وساخرة لدى الإسرائيليين أنفسهم، إذ أشار بعضهم إلى أنه منذ 30 عاماً هناك علاقات مع الإمارات «فأين تُصرف عبارات نتنياهو؟»، فيما تَهكّم آخرون على قوله: «أنا متأثر لأنني منذ عشرات السنوات عملت لأجل ذلك (الاتفاق)»، فكتب أحدهم مُعلّقاً: «أعطوني عشرة أعوام أخرى وسأعمل لمنحكم جوازات سفر برتغالية». كذلك، نعته قسم ثالث بـ«الكذّاب»، متّهمين إياه بأنه «أجرى اتصالاً مفبركاً».
al-akhbar