في «المدرسة الميقاتية»، تخرّج مصطفى أديب. ابن مدينة الميناء الطرابلسية، بدأ العمل في المكتب السياسي لتيار العزم، ومُديراً لجمعية «العزم والسعادة»، ليُشكّل ذلك قاعدة مشواره مع الشقيقين طَه ونجيب ميقاتي. من طرابلس، انتقل مع ميقاتي إلى وزارة الأشغال العامة والنقل، ومثّله في الهيئة الخاصة المُكلفة بوضع قانون انتخابي جديد عام 2005، قبل أن يُعيّن عام 2011 مُديراً لمكتب رئيس الحكومة. هو أستاذ القانون الدولي العام الذي لطالما كانت «الدبلوماسية» تستهويه، ولكن لم يُقدّر له سوى الدخول من البوابة الميقاتية بعد أن تعذّر ذلك عبر مباريات مجلس الخدمة المدنية. وها هو يصل إلى رئاسة الحكومة بمعية آل ميقاتي. وبحسب المعلومات، فإنّ فريق عمله سيكون أيضاً من «العزميين». تأثّر بـ«الحاج» إلى درجة أنّ واحداً من أولاده الخمسة، اسمه «نجيب». وربّما يكون أحد «أبرز» الدروس التي اكتسبها من هذه «المدرسة»، شخصيته «التسووية» التي تعرف كيف تُدوّر الزوايا بطريقة تترك الجميع راضين. في تيار العزم، «يُصوبّون» بأنّ ذلك يُسمّى «وسطية».
من هو مصطفى أديب؟ سؤال طُرح كثيراً منذ أن أعلن «نادي رؤساء الحكومات السابقين» تسميته يوم الأحد. فخارج دائرة الاهتمام السياسية والدبلوماسية، قلّة تعرف هوية «الانتحاري» الجديد، وأي برنامج زكّاه ليتسلّم السلطة التنفيذية في لحظة محورية من تاريخ الجمهورية الثانية. لا يهمّ. فلا هو في كلمته من بعبدا اهتمّ بالشرح للرأي العام عن برنامج عمله، ولا المُعارضون يرون في أديب أكثر من أنّه خيار «المنظومة الحاكمة»، فبدأ «نَبش» تاريخه على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خطاب له في مهرجان «الوفاء للإمام موسى الصدر ورفيقيه» نُظّم في برلين سنة 2019، كان «الهجوم» على رئيس الحكومة الجديدة. اعتبر أديب يومها أنّ لبنان «يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية، ويفرض هذا الأمر اتخاذ مواقف متناسبة حكيمة، مبنية على التوافق والإجماع الوطني، ومدّ الجسور، وهذا ما يتجذّر في مواقف دولة الرئيس نبيه برّي…». ما سهّل الرمي عليه أنّ علاقته بحركة أمل في برلين كانت جيّدة جداً، إلى حدّ أنّ عدداً من الدبلوماسيين يجزمون بأنّ مسؤول «الحركة» في ألمانيا كان هو «صاحب النفوذ الأكبر» في البعثة الدبلوماسية اللبنانية. إلا أنّ مسؤولاً في حركة أمل ينفي ذلك، «لم تكن علاقة أديب بحركة أمل أكثر تميزاً من علاقته بتيار المستقبل». ويُذكّر مسؤول «الحركة» بانتخابات المُغتربين التي نُظّمت عام 2018، «يوم كادت تخرب بيننا وبينه بسبب امتناعه عن الطلب من السلطات الألمانية فتح مراكز اقتراع خارج برلين»، موضحاً أنّ تصرّف أديب لم يكن ناجماً عن «لؤم سياسي، بل عن قلّة خبرة».
الثغرة الرئيسية أنّ سفير لبنان لدى ألمانيا أتى إلى المنصب من خارج السِلك الإداري، مثل صديقه و«راعيه» الدبلوماسي، السفير نوّاف سلام. أراد ميقاتي أن يحفظ لمُدير مكتبه منصباً في الدولة، فاختار له سفارة لبنان في ألمانيا. ولكنّ أديب، مواليد الـ1972، لم يكن قد أتمّ الأربعين بعد، ما يعني قانوناً عدم إمكانية تعيينه. «أُخّرت التشكيلات الدبلوماسية 3 أشهر، بانتظار أن يبلغ السنّ القانونية».
شكاوى الجالية بحقّه عديدة: غياب التواصل وتأخّر في بتّ المعاملات
بعد سبع سنوات من العمل الدبلوماسي، يؤخذ على أديب أنّه لم ينجح في إدارة السفارة، ما عزّز الزبائنية السياسية فيها ودور الأحزاب، وباتت تُصنّف من الأدنى رتبة دبلوماسياً. شكاوى الجالية بحقّه عديدة، عن غياب التواصل وتأخّر في بتّ المعاملات وفوضى داخلية. وكان يتخطّى المرور بوزارة الخارجية والمغتربين، «مثل كلّ الدبلوماسيين من خارج الملاك ويتواصل مُباشرةً مع رؤساء الحكومات»، بحسب مسؤول في الوزارة. قصّر أديب في عمله، ولم يترك بصمة في السفارة، «فهو كان ناجحاً حصراً في اللياقات واللباقات، ويُفتش دائماً عن التسوية». ومع أنّ بعض الدبلوماسيين يؤكّد أنّ أديب لا يملك شبكة علاقات خارجية يُعتدّ بها، يقول مُطلعون على عمله العكس: «حافظ على العلاقات التي نسجها أيام كان مُديراً لمكتب ميقاتي، ونسج علاقات مع الفرنسيين (زوجته فرنسية، تحمل أيضاً الجنسية الإيطالية) والسويسريين، ووطّد صلاته بمؤسسات أوروبية عاملة في حقل الوساطات والنزاعات». وتعيينه عميداً للسلك الدبلوماسي العربي في برلين، «فتح له مجالات جديدة، كعلاقته الوطيدة برئيس الديوان الأميري القطري». قبل أن يصدر قرار تصنيف حزب الله «إرهابياً»، قام أديب بواجبه الوطني، متواصلاً مع المسؤولين الألمان بأنّ «الحزب هو مُكوّن لبناني».
مصطفى أديب شخصية مُعتدلة غير صدامية، لكن في سجلّه «نقطة سوداء»، هي راتبه. فبعد تعيينه سفيراً، رفع دعوى على الدولة اللبنانية أمام مجلس شورى الدولة مُطالباً بضمّ خدمات مع مفعول رجعي وزيادة معاشه، لأنّه مُتفرّغ في الجامعة اللبنانية. ربح أديب الدعوى، وبات يقبض أعلى راتب دبلوماسي: 33 ألف دولار شهرياً!
al-akhbar