يتوقع ان تسجل قيمة مستوردات لبنان مع نهاية هذا العام تراجعا كبيرا مقارنة مع الاعوام السابقة. والملاحظ ان السلع التي تصنف من الكماليات وبالاخص التي تعبر عن رفاهية معينة كانت الاكثر تأثرا، مما يعني ان اللبناني استطاع التأقلم مع الواقع الجديد لكن اذا ما استمرت الاوضاع بالتدهور فسيضطر للاستغناء عن السلع الاساسية.
كما كان متوقعاً، تقلّص حجم استيراد لبنان الى النصف تقريباً، بحيث من المتوقع ان يقفل العام 2020 على قيمة مستوردات بحوالى 10 مليارات و 933 مليون دولار، بعدما سجّل خلال الأعوام الماضية حوالى 20 ملياراً.
فقد تراوح مجموع الواردات في السنوات الممتدة من 2016 الى 2019 ما بين 19 ملياراً و 118 مليون دولار كحدّ ادنى مسجّل في العام 2016 و19 ملياراً و 978 مليون دولار كحدّ اقصى مسجّل في العام 2018.
وفي نظرة سريعة على ارقام المستوردات المتوقعة حتى نهاية العام 2020، والتي أعدّها الباحث في الشؤون الاحصائية عباس طفيلي، يتبيّن انّ كل ما له علاقة بالمأكولات، وتحديداً ما دخل ضمن السلّة المدعومة، لم يشهد اي تغيير يُذكر، وفي الحالات التي ارتفع فيها الاستيراد، فهذا يدلّ الى انّ التجار رفعوا من حجم الواردات للاستفادة من الدعم، على ان تُباع هذه الأصناف بسعر مرتفع متى يُرفع الدعم. أما التراجع في الواردات والذي بلغ نحو 9 مليارات دولار فهو يتمثل خصوصاً بتراجع الواردات النفطية بنحو 3 مليارات دولار، وتتوزع غالبية الـ 6 مليارات المتبقية على الكماليات، والتي أُمكن الاستغناء عنها.
وفي السياق، يقول طفيلي لـ«الجمهورية»: «يبدو جلياً من خلال ارقام الاستيراد، التغيير في نمط حياة اللبناني، وتراجع مستوى الرفاهية الزائدة التي كانت متوفرة في لبنان، والتي تظهر خصوصاً من خلال عدد قروض التجميل الذي وصل الى 2 مليار دولار، القروض الشخصية 6 مليارات دولار، 9 من 10 اشخاص سافروا في السنوات الماضية الى تركيا او اليونان… تراجع استيراد الالماس الى 189 مليون دولار بعدما بلغ في الأعوام 2018 و 2019 نحو 402 و 333 مليون دولار على التوالي، وتوقف استيراد اليخوت، بعدما سجّلت 23 مليار دولار في العام 2016، تراجع قيمة استيراد «السومو» بعدما وصلت الى 10 ملايين دولار، كما تراجعت قيمة استيراد السيارات السياحية من مليار و 238 مليون دولار في العام 2016 الى 210 ملايين دولار في العام 2020، علماً انّ قيمة السيارات المستوردة الى لبنان بلغ خلال الـ 10 سنوات الماضية 17 مليار دولار. كما نلاحظ التدني في قيمة استيراد المكيّفات من حوالى 87 مليون دولار مسجّلة في العام 2018 الى 7 ملايين دولار فقط، والآلات الكهربائية من 742 مليون دولار في العام 2019 الى 273 مليون دولار متوقعة مع نهاية العام الحالي. وتراجع التبغ من 174 مليوناً في العام 2016 الى 72 مليوناً متوقعة مع نهاية العام 2020، الكحول من 40 مليون دولار الى 10 ملايين دولار، وأجهزة الهاتف من 260 مليون دولار في العام 2019 الى 65 مليون دولار متوقعة مع نهاية العام».
واعتبر طفيلي، انّ «هذا التراجع في الاستيراد لا يعني انّ حياة الرفاهية ممنوعة لمن بمقدوره ذلك، انما فليتمّ استيراد الكماليات وفق دولار سعر السوق وليس الدولار المدعوم من مصرف لبنان اي الـ1500 ليرة».
كذلك لحظ طفيلي ارتفاعاً متوقعاً في استيراد الزجاج والالمينيوم والبحص حتى نهاية العام، نتيجة ارتفاع الطلب بعد انفجار مرفأ بيروت.
لكن في المقلب الآخر، فقد طاول التراجع أجهزة التصوير الطبية من نحو 316 مليون دولار في العام 2018 الى 179 مليون دولار متوقعة مع نهاية العام الحالي. وهذا للأسف دليل على تراجع القطاع الطبي، بعدما كان يتميز لبنان بأفضل نظام صحي في المنطقة ويعتمد على السياحة الطبية.
وفي المجال الطبي، يُلاحظ انّ قيمة واردات الادوية حافظت على مستواها مقارنة مع السنوات الماضية، إذ خلال السنوات الممتدة من 2016 الى 2019 سجّل حجم استيراد الادوية والاصناف الصيدلانية حوالى مليار و200 مليون، فيما من المتوقع ان يقفل العام 2020 على حجم استيراد بقيمة مليار و192 مليون دولار. وتكشف هذه الأرقام انّ كارتيل الادوية يقنّن من توزيع الادوية التي استوردها على دولار مدعوم، ليرفع أسعارها متى رُفع الدعم، وهذا ما يفسّر سبب انقطاع الكثير من الادوية من الصيدليات.
أما في ما خصّ المحروقات، فقد تراجع حجم استيراد المشتقات النفطية الى 3 مليارات و65 مليون دولار مقارنة مع السنوات الممتدة من 2016 الى 2018 والتي كانت تسجّل حجم استيراد بحوالى 4 مليارات. وعزا طفيلي سبب ذلك الى الشلل الذي سبّبته جائحة كورونا وتوقف الاشغال التي قلّصت من استهلاك المحروقات، الى جانب هبوط أسعار النفط عالمياً، بما يعني اننا بالقيمة نفسها استوردنا كميات اكبر، يُضاف الى ذلك الاحتكار الذي حصل في مادة المازوت خلال اشهر حزيران وتموز، والذي قلّل الطلب على المازوت، وما لبث ان تعافى بوصول مساعدات نفطية من العراق ابّان انفجار المرفأ.
ويلفت طفيلي الى انّ عام 2019 شكّل عاماً استثنائياً، من حيث قيمة استيراد المشتقات النفطية، والتي وصلت الى 6 مليارات و534 مليون دولار، بما يطرح علامات استفهام عن أسباب مضاعفة هذه الكمية، اين ذهبت أموال هذا الفائض من الاستيراد؟ خصوصاً انّها لم تدخل من ضمن ميزانية مصرف لبنان، وإذا كان دُفع ثمنها من ودائع السوريين في لبنان فهذا يعني انّ الأموال بدأت تخرج من لبنان منذ مطلع العام 2019، اي منذ ما قبل الأزمة بحجة استيراد النفط؟
البطاقة التموينية
الى ذلك، أشاد طفيلي بخطوة المركزي السير بالبطاقة التموينية للبنانيين، لأنّ من شأن ذلك ان يخفّض حجم الاستيراد المدعوم من 730 مليون دولار يتكبّدها المركزي شهرياً الى ما بين 200 الى 230 مليون دولار. فهذه الطريقة تطيل مدة الدعم، عداً عن انّها تستثني على الاقل مليوناً ونصف مليون شخص غير لبناني مقيم في لبنان، كانوا يستفيدون من الدعم ويسرّعون في نفاد العملات الصعبة في احتياطي المركزي. وشدّد على انّه لاكتمال نجاح هذه الخطة على الدولة ان تغيّر في طريقة الاستيراد القائمة اليوم، والتي تعتمد على الكارتيلات او الافراد، وتستورد هي مباشرة، أي من دولة الى دولة، من خلال فتح وزارة الاقتصاد مناقصات لاستيراد المواد الأساسية، مثل شراء القمح، فيُجبر عندها التاجر على شراء القمح من الدول الارخص ما يخفّف من فاتورة الاستيراد.
al-jumhuriya