جعجعوا كما تريديون ، جعجعوا عندما تريدون ، فقد نفد طحينكم ، وخابت آمالكم ، وسقطت رهاناتكم ، حلمتم فكانت أحلامكم كوابيس ستظل تزعجكم وتقلقكم وتقض مضاجعكم ، لقد أفشلنا بدمائنا كل ما خطط له أسيادكم ، وواجهنا بإرادتنا وعزيمتنا كل مكر مكروه ، وحولنا تهديداتكم جميعا إلى فرص ، وحفركم إلى منصات ننطلق منها إلى غدنا الذي نلونه بدمائنا ، غَدِنا المشرق النوَّار ، الذي لن يكون لكم فيه مكان الفعل والمبادرة ، فهل بعد هذا نمنعكم من الجعجعة وهي قوتكم اليومي وجواز اعتمادكم عند الأسياد ؟!
كلا أيها السادة ، فلقد اعتدنا عليكم منذ أن انطلقنا في مسيرتنا المباركة ، كنتم وما زلتم لا حيلة لكم إلا الجعجعة ، إمعانا في غِيِّكُم ، وإظهارا لحقدكم ، ولو أنا أعرنا جعجعتكم قليلا من أهمية لكنا مذبوحين ، ولكانت نساؤنا سبايا ، وأماكن عبادتنا الإسلامية والمسيحية دمارا ، ولكنتم الآن ترقصون على دمائنا ، فأنتم لا تريدوننا أيا كنا ، أشرارا أم أخيارا ، بناة وطن أم مجرد مواطنين ، فوجودنا بذاته يزعجكم ، فكيف إن كنا منتصرين ، وكيف إن كنا أخلاقيين ، وكيف إن كنا نجوما تسطع في أفق هذا العالم الباحث عن الحرية والكرامة .
جعجعوا فلم يبق لكم سوى الجعجعة تقدمونها بطاقات اعتماد عند أسيادكم ومشغليكم ، تسترزقون بها ، وتستمدون بها بقاءكم ، على أن مشغليكم قد تخلوا عمن راهنوا عليهم وهم يقتلون ويذبحون ويسحلون ويعيثون في الأرض فسادا ويحققون لهم ما يريدون، فكيف لن يتخلى عنكم وليس في يدكم سوى الجعجعة .
الآن أصبحتم ضد داعش والنصرة ؟!!! وبالأمس كنتم ترحبون بهما ، وتدعمونهما ، وتدافعون عنهما !! .
عجيب أمركم ، على من تكذبون ؟! .
علينا ؟! ونحن نعرف الكاذب والصادق .
علينا ؟! ونحن نعرف المصلح من المفسد .
بل أنتم على أسيادكم تكذبون ، على جمهوركم تكذبون ، بل على أنفسكم تكذبون وهذا أسوأ أنواع الكذب .
( حكيمكم ) في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، يرى أنّ &موقف &حزب الله& من قافلة تنظيم &داعش& هو أمر مستغرب عجيب غريب يثير الدهشة والتساؤلات والشك والريبة&، مشيراً إلى &أنّني حاولت خلال الـ48 ساعة الماضية أن أجد له تفسيراً فلم أوفّق بأي طريقة من الطرق&.
نعم ، هو موقف مستغرب ، يستغربه من تقطر يداه من دماء الأبرياء مسيحيين ومسلمين .
نعم ، هو موقف عجيب ، يتعجب منه من كان القتل وسيلته الحصرية للسيطرة والتحكم برقاب العباد ومقدرات البلاد .
نعم ، هو موقف يثير دهشة من يرى الأخلاق في خدمة الهدف ، لا أن تكون الأخلاق هي الهدف .
نعم ، هو موقف يثير الشك والريبة ممن ساءت نيته وخبثت طويته فيرى الآخرين بعين سقيمة وعقل مريض وقلب لا يعرف الرحمة .
لن تجدوا تفسيرا لما حصل ولو فكرتم ثمانية وأربعين يوما ، وأتبعتموها بثمانية وأربعين شهرا ، وأضفتم إليها ثمانية وأربعين سنة ، ولو قضيتم أعماركم فلن تجدوا تفسيرا لفعلنا الأخلاقي ، فنحن مختلفون في المنطلقات والغايات ، مختلفون في الوسائل والأساليب ، وليس هذا وحسب ، بل إنا مختلفون في أمر جوهري ، ظاهرٍ عندنا ، ومخبوءٍ عندكم لكنها فَلَتَاتُ ألسنتكم وأعمالكم هي التي أنبأتنا وعرفتنا ، لقد أحسنا الظن بكم طويلا ، ظننا أنكم أخلاقيون مثلنا ، توهمنا أنكم بشر ذووا مشاعر إنسانية نبيلة ، كنا نعتقد أن فيكم رجولة وشهامة وكرامة وحبا لموطنيكم وشركائكم في الوطن ، لكن فيما جرى من أحداث منذ ما قبل العام (1982 ) بل منذ سبعينيات القرن الماضي وما قبله اكتشفناكم ، كنا نمد إليكم أيدينا ، وكنتم تمدون إلينا سكاكينكم ، كنا نرغب في المواطنة والمشاركة ، وكنتم تريدون لنا أن نكون أعدادا إضافية ، كنا نطمح للمساواة في وطننا ، وكنتم تريدوننا خدما نزرع لكم ، وننظف زبالتكم ، ونحرس قصوركم ، كنا نرغب أن نبني بلدا مستقلا ، وكنتم تريدون لنا أن نكون أتباعا وإمَّعَاتٍ ، ولقد هالكم أنا كنا نصنع من ضعفنا قوة ، ومن جرحنا اقتدارا ، ومن عذاباتنا عنفوانا ، ولما أن بدا لكم أنكم عاجزون عن إيقاف صعودنا ، تواطأتم مع المحتل ليحتل أرضنا ، عَلَّه يقهرنا ويخضعنا فنقبل بكم سادة ونظل أجراء ، لكنا قوينا على مكركم ، فُجُدْنا بدمائنا حتى جادت السماء علينا بالنصر ، فأهديناكموه ، ظنا منا أنكم جديرون به لكنا سريعا ما اكتشفنا أنكم اعتدتم على الهزيمة ، حتى صارت مكونا من مكونات شخصيتكم ، فثارت عقيرتكم ، وأزبدت أفواهكم ، وانطلقت ألسنتكم تَرْجُمُنا على فاحشة النصر التي ارتكبناها ، فما لِنَّا وما هِنَّا وما ألقينا بأسماعنا إليكم ، كنا نعلم أن وراء كل ابتسامة صفراء منكم وجوها عابسة ، وأن أيديكم التي كنتم تمدونها لمصافحتنا ما كانت إلا خناجر مسنونة مسمومة ، تنتظرون الفرصة لتنقضوا علينا فتطعنونا بها ، ثم عدتم سيرتكم الأولى ، ومن شب على شيء شاب عليه، تآمرتم علينا في العام (2006 ) أرشدتم العدو إلى مخابئنا ومتاريسنا، نبهتموه إلى كل الوسائل التي تتيح له ولكم سحقنا والانتهاء منا ، لكن دمنا المسفوح بشرف في قرى لبنان وعلى هضابه وفي أوديته هو الذي مَدَّنا بطاقة البقاء ، وصدقنا مع الله ومع شعبنا ووطنا هو الذي أضاف إلينا قوة وعزا وشرفا وكرامة ، فبكيتم وأعْوَلْتُمْ وحين رأيتمونا نخرج من تحت الركام مرفوعي الرؤوس ، هالكم الأمر فعدتم للبكاء والعويل وزدتم مكرا وخداعا ، إلى أن حان موعد الدمار العربي ، فأسرعتم إليه تتلقفونه وتراهنون عليه ، لا لأنكم تريدون ربيعا إذ ليس في قاموسكم سوى الخريف ، ولا لأنكم تريدون ديموقراطية ، وأنتم الذي تستبدون بأحزابكم ، ولا لأنكم تريدون حرية وأنتم الذين تستعبدون الناس بالوظيفة وثمن الدواء ، بل هللتم له ، وتعاونتم معه ، وبذلتم جهودا جبارة ، وأنفقتم المال وجيشتم الإعلام ، وأَمَّنْتُم الملاذ والمأوى والسلاح والعتاد لداعش وأخواتها ، وكان هدفكم واحد وهو : أن نقتل ، أن ننتهي ، أن نَتِيْهَ في الأرض ، أن تتخلصوا من عبئنا لأننا فضحناكم ، على مدى سبع من السنين كنتم تنهوننا عن الذهاب إلى سورية ، لا لأنكم تريدون صون الاستقلال اللبناني فأنتم من أذن لأسيادكم باستباحة لبنان ، ولا لأنكم تريدون أن يكون القرار بيد الدولة وحدها فأنتم لا تشربون قهوة الصباح إلا بعد استئذان ، ولا لأنكم تريدون المحافظة علينا ، بل فعلتم كل ذلك لأنكم كنتم تريدون أن تأتينا جحافل جُمِّعَت من أربع رياح الأرض لتقتلنا وتريحكم منا ، كنتم تريدوننا أن نحبس أنفسنا في قرانا ، وننتظر قدر الأبالسة فينا ، أن نلقي ما في أيدينا ونقبل أن تُهْتَكَ أعراضنا ، وتُقْتَلَ رجالنا ، وتسبى نساؤنا ، ووالله لو أنا أخذنا بنصائحكم ( والمنافق لا ينصح وكذا العدو ) لكنا الآن نلوذ على أبوابكم ، نتوسل إليكم طلبا لحماية هذا الفرد منا أو ذاك ، وهذا ما كنتم تريدونه وتُمَنُّونَ النفس به .
لقد هالكم صمودنا ، وأفقدكم صوابكم ثباتنا ، وأما إنجازاتنا فقد ملأت نفوسَكم غيضا ، وزادتكم لنا كرها ، وحبا للانتقام منا ، فانطلقتم أبواقا لأبالسة العصر أسيادكم وأولياء نعمتكم ، تأخذون علينا أنَّا لم نقتل معاهدا عاهدناه ، ولم نسبِ نساءه وذراريه ، تفعلون كل ذلك لمجرد النقض علينا ، وتوجيه اللوم إلينا ، وإثباتا انكم ما زلتم أحياء ، وعسى ذلك يخفف عليكم وطأة الهزيمة . وهذا ما لا نرى فيه مشكلة ولا حالة مزعجة .
تلك هي حالكم وهذي صفاتكم ، ومن كانت هذه صفاته وحاله وعادته وأمنياته فكيف لا يستغرب أخلاقنا ورحمتنا وصدقنا ووفاءنا في عهودنا وحفظنا لمواثيقنا ؟!!!.
إنا ننتمي إلى القرآن الكريم الذي أوصانا بأن نفي بالعهد إذا ما عاهدنا فقال : وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34 الإسراء) وقال : إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4 التوبة). وقال تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6 التوبة) .
وإنا ننتمي إلى مدرسة رسول الله محمد (ص) ، الرحمة المهداة إلى جميع العالمين ، الذي كان يوصي سراياه فيقول : سيروا باسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله ، ولا تَغُلّوا ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تَغْدُروا ، ولا تَقْتُلوا شيخاً فَانِياَ ، ولا صَبِيَّاً ، ولا امْرأةً ، ولا تَقْطَعوا شَجَراً إلا أن تَضْطرّوا إليها ، وأيُّما رَجُلٍ مِنْ أدنى المُسلِمينَ وأَفْضَلِهِمْ نَظَرَ إلى أحدٍ مِنَ المُشركينَ فَهوَ جارٌ ( أي يجيره المسلم ويصير المشرك في حمايته ) حتَّى يَسْمَعَ كلامَ اللهِ ، فإذا سَمِعَ كلامَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ فإن تَبِعَكُمْ فَأَخُوْكُمْ في دِيْنِكُمْ ، وإن أبَى فاسْتَعِيْنُوا بِاللهِ عليهِ وأَبْلِغُوهُ مَأْمَنَهُ .
وإنا ننتمي إلى مدرسة علي بن أبي طالب (ع) الذي أوصى عسكره قبل لقاء العدو بصفّين : لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَأُوكُمْ، فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى حُجَّة، وَتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَأُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَلاَ تُصيِبُوا مُعْوِراً، وَلاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيح ،لاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَالاَْنْفُسِ وَالْعُقُولِ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
هذه هي أخلاقنا ، وتلك قيمنا ، وعلى هذا كانت سيرة أسلافنا وعلى ذلك نمضي ، وإنا لنقاتل دفاعا عن الإنسان ، وذودا عن كرامته ، وصونا لحقوقه ، ولسنا نحب الحرب للحرب ، بل نلجأ إليها كآخر الخيارات المتاحة ، وإنا لنَطْمَعُ في إصلاح العدو وصلاحه فذلك أحب إلينا من أن نقتله ، وإنا والله لنحزن على من غَرَّرَ بهم الطغاة والمستكبرون واستجلبوهم من كل حَدَبٍ وصوبٍ ، خدمة لمصالحهم وتحقيقا لأهدافهم الخبيثة ، وما دخلنا حربا إلا وكانت مفروضة علينا ، فكنا مُعْتَدى عليهم لا معتدين ، ومهجومٌ علينا لا مُهاجِمِيْن ، فإن أمكن الصلح فبها ونعمت ، وإن أمكن توفير الدماء فهو الأولى عقلا وشرعا ، وإن أمكن الإبتعاد عن التدمير والتخريب بالمعاهدات فهو الألزم عقلا وشرعا وقانونا ، وإن أمكن صون الثروات فهو الأولى ، ولو كان ذلك بالصلح والمعاهدة .
نعم : إنكم لن تفهمونا ولو بعد حين ، وسيطول تعجبكم من أفعالنا ما طال بقاؤكم ، لأنا مختلفون عنكم ، فلكم دينكم ، ولنا ديننا ، ولكم منطلقاتكم ، ولنا منطلقنا ولكم أهدافكم ، ولنا أهدافنا ، وإنا لنحرص أن نكون النموذج في الحرب كما في السلم ، والمثال الأنقى والأرقى ، حين تشب نار الحرب ، وحين تضع أوزارها . نريد لهذا العالم أن يتأسس على رعاية العهود ، واحترام المواثيق ، وحفظ الذمم ، وصون الكرامة ، وإعطاء الحقوق ، وهذه هي مكاسبنا التي نريد أن نكسبها ، وتلك أهدافنا التي نخوض الحرب لأجلها .
أما أنتم فالحرب نفسها مطلبكم ، والدمار نفسه هدفكم ، والقتل ذاته خياركم الأول والأخير ، تستمرؤون التدمير والقتل ، والتخريب والسحل، وتَسْكَرون على الدماء ، ولا تفرقون بين الأعداء والأبرياء ، وتنتشون لرؤية الأشلاء ، وتعتاشون على الفتن ، وفي النهاية لا الحربَ تكسبون ، ولا الأخلاقَ تحفظون ، وعندما يُسقَطُ في أيديكم ، تلجؤون إلى الصراخ والزعيق ، والتباكي والعويل . فازعقوا وأزبدوا ، وجعجعوا واصرخوا، فما أفاد الصراخ يوما ، ولا أغنى البكاء ، ولن يغنيكم كل ذلك الآن ، وكيف يغنيكم وقد جاء نصر الله والفتح ؟!.
السيد بلال وهبي