الغدير؛ يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة ورضا الرب” لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي 8-9-2017م في السنة العاشرة للهجرة حجّ رسول الله (ص) وحجّ معه جمعٌ غفير من المسلمين، لأنّ النبي (ص) كان قد بعث في الأقطار الإسلامية أنه يريد الحج في تلك السنة، وقد شعر بدنو أجله، فوافاه من يستطيع حضور الحج ليحصلوا على شرف مرافقته (ص) في حجّه المبارك، وبعد إتمام الحج وفي طريق عودته إلى المدينة، عندما وصل إلى منطقة افتراق الطرق [غدير خم] القريب من الجحفة؛ حطّ رحاله (ص) في رمضاء الهجير، وأمر القوافل أن تحطّ رحالها هناك، وكانت الحرارة مرتفعة، إذ كان الرجل يضع طرف ثوبه تحت قدميه ليتقي به حر الكثيب، ثمّ أمر النبي (ص) أنّ الصلاة جامعة، ولمّا انتهى من الصلاة أمر (ص) أن يجمع أسراج الإبل لتكون له منبراً، فصعد عليه رسول الله (ص)، وكان حينها عدد المسلمين الحجيج أكثر من ماية ألف، خطب فيهم رسول الله (ص) خطبةً استعرض فيها – على مدى أكثر من ساعة – ما لاقاه (ص) في سبيل تبليغ الدعوة وهداية البشرية، وما أصابه من أذىً لينقذهم من الحياة الجاهلية، لينقلهم إلى الحياة الكريمة – لا فضل فيها لعربي على أعجمي، ولا لأبيضٍ على أسود، ولا لذكرٍ على أنثى؛ إلاّ بالتقوى – وبيّن لهم فيها كثيراً من الأحكام الشرعية، وأمرهم بالالتزام بها وتطبيقها على واقع حياتهم، ثم قال (ص) لهم: انظروا كيف تخلفوني في الثقلين ؟ فناداه بعضهم: وما الثقلان يا رسول الله ؟ فقال (ص): الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم؛ فتمسكوا حتى لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تـقْدِموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا . ثم أخذ بيد علي (ع) قائلاً: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب .واستأذن الشاعر حسان بن ثابت رسول الله (ص) بتلاوة أبيات نظمها بالمناسبة، فأنشد بين يدي رسول الله (ص) قائلاً : يناديهم يوم الغدير نبيهم****بخمٍ واسمع بالرسول مناديا فقال: فمن مولاكم ونبيكم****فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت نبينا****ولم تلق منا في الولاية عاصيا فقال له : قم يا علي فإنني****رضيتك من بعدي إماماً وهادياً فمن كنت مولاه فهذا وليه****فكونوا له اتباع صدق موالياً هناك دعا اللهم وال وليه****وكن للذي عادا علياً معاديا فقال له النبي (ص): لا تزال يا حسّان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك . ونزل الوحي على رسول الله (ص) ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” . هذا المضمون يرويه علماء الشيعة وكبار علماء السنة؛ يقول سبط الجوزي في كتابه [تذكرة الخواص] ص30-31: إتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي حجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. والمحب الطبري في كتابه [ذخائر العقبى] عن البراء بن عازب قال : أقبلنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حجة الوداع ، حتى إذا كنا بغدير خم فنادى فينا الصلاة جامعة ، وكسح للنبي تحت شجرتين ، فأخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بيد علي وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، قال : أليس أزواجي أمهاتهم ؟ قالوا : بلى ، فقال رسول الله : فإن هذا مولى من أنا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ولقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة . ونقل المتقي الهندي في كتابه [كنز العمال] عن زيد بن أرقم وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وابن عباس وغيرهم من الصحابة أن رسول الله قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه . والجدير ذكره أنّ النبي (ص) أوقف الحجيج في غدير خم لأنّ الله سبحانه أمره بذلك بقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ” لأنّ النبي (ص) كان يخشى الردة عن دينه وانقلاب كثير من المسلمين عليه إذا أعلن أنّ عليّاً (ع) هو الخليفة من بعده ، لأنّه كان يظهر من كثير من المسلمين رفضهم أن تكون الخلافة والنبوة في بني هاشم ، من تجاهلهم لأمر كان قد بيّنه رسول الله (ص) في حديث الدار وحديث المنزلة .