لم يكن حلمًا. لقد كنت أمشي في شوارع من حبّ. ألوانها تحيلك مسحورًا بالكثير من التفاصيل. أخدني شيء غريب فيها، أصواتها العشوائية، أطفالها المجبولون بالعفوية والتراب، ملامح العجوز بجانب الباب الازرق. كل هذه الشوارع كانت تحكي قصة “صور” مدينة الحبّ الزرقاء.
نحن أولاد المدن نعيش في صور الدهشة، والذاكرة هي وليدة الدهشة. نحتفظ بما امتلك حواسنا ولو لثواني. كان قد أخبرني صديقي أن لهذه المدينة أدراج، وفي اللحظة تسلّم فيها قلبك للدرجة الأولى تروح بخيالك إلى سماء صافية وشمس قريبة تدفء القلب بالألفة.
هي مدينة اللّه الحبيب، فلكل من محبّيه شارع مفعم بمعالم العبيد المخلصين. مررنا بكنيسة يطلع منها فرح عاملات أجنبيات، لجأن بفرحهنّ إلى اللّٰه. وانتهينا بمسجد عتيق، يخبرنا أن من كان هنا صمد، ومن بقي حفظ الكثير من إرث المناضلين. لا يمكن التغافل عن مسجد السيد عبد الحسين شرف الدين، أحد معالم المنطقة المقاومة. تدخله خالعًا كل ارواحك المتعبة، تأخذ من زواياه قوة رجل كتب للمدينة أساطير الرجال، أولئك اللذين يصنعون المجد بعمّة. يقول لي رجل ثمانيني، يجلس منكبًا على كتاب حق اليقين، أن حفظ القرآن سلاح يفتح فهمك لأصعب الكتب وأعقدها.
تخيلتها مدينة ركبّها ساكنوها القدامى والجدد بعناية كبيرة، فسيفساء من شعب يغير لون المدينة كلما احتاج قلبها للفرح. اعترف أنني شعرت بالغيرة من أهلها. يمشي الشاب في شوارعها متلقيًا من وجوه العابرين مطرًا من التحيّات الحميمة. يعرف أن في كل ممرّ محبّ ينتظر اطلالة وجهه في وقت معين من المساء.
صور، شابّة مدللة. تسدل بشعرها الطويل على المدن الأخرى. توقع في غرامها عابريها وسكان قلبها. هي مدينة من البهاء الازرق، ذلك الذي يروح بقلبك بلطف إلى حلم عانقناه في أحد المساءات المتعبة.
تصوير و كتابة مريم حجازي