عن الإمام الصادق (ع): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يحدّثان سلمان بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه .
وُلِد سلمان في قريةٍ من قرى أصبهان، والده دهقان كان مجوسياً متعهّداً رعاية النار المُقدّسة، حتى لا تنطفيء، والتي كان قومه يعبدونها، كان سلمان يساعد والده الذي يلزمه بالبقاء إلى جانبه لشدّة حبّه له، وكان يظهر على سلمان أنه غير مقتنع بعبادة النار التي يرعاها، إن تركها انطفأت، فلا يمكن أن تكون خالقاً وإلهاً، وفي يومٍ اضطر والده أن يرسله إلى مزرعته لتفقّد أحوالها، وهو في طريقه مرّ على كنيسةٍ تُقام فيها صلوات، فأعجبته صلاتهم، ورأى أنّ دينهم خيرٌ من دينه، وبقي معهم يوماً كاملاً يشاركهم عبادتهم لله سبحانه، وعرف منهم أنّ منشأ هذا الدين بلاد الشام، وأنّ هناك قساوسة، صارح أباه بالأمر وأنّ دينهم أفضل من دينه، فسجنه أبوه وقيّده، لكنّه استطاع الهرب منه، وخرج مع قافلةٍ وجهتها الشام، وفيها التحق بكنيسةٍ – قيل له أنّه – فيها أسقف هو الأفضل في هذا الدين، لازمه سلمان واكتشف بأنّه يفعل غير ما يقول، فلمّا مات أخبرهم سلمان بحقيقته، فأشاروا عليه بلزوم أسقفٍ معروفٍ بالزهد والصلاح ويخاف الله ويعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه، وعندما دنت الوفاة من هذا الأسقف أرشد سلمان إلى رجل دين في الموصل معروف بالصلاح والورع، فجاءه وعاش معه، وعندما دنت منه الوفاة قال له اذهب إلى نصيبين فهناك قسّاً ورعاً، وذهب سلمان إلى ذلك القس الورع وعاش معه حتى دنت منه الوفاة، فسأله سلمان ماذا يفعل؟ فأرشده إلى قس في عموريا، حتى إذا ما دنت منه الوفاة؛ سأله سلمان:إلى من أرجع؟ فقال له القس: يا بني إني لا أعرف أحداً على مثل ما نحن عليه، ولكن أعلم – وأجد في الكتب عندنا – أنه بأرض العرب سيخرج نبي من بني اسماعيل مبعوث على دين إبراهيم (ع)، وهذا النبي سوف يخرجه قومه من أرضه مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بهذه البلاد فافعل .
سلمان الذي ترك أهله وبلده هرباً بدينه الجديد وباحثاً عن الحق وأفضل الطرق إلى الله سبحانه، ترك عموريا مع قافلة أعطاها كل ما يملك لتوصله إلى أرض العرب وأرض النخيل، لكنّ أهل القافلة غدروا به وباعوه في وادي أم القرى لرجل يهودي ليتخذه عبداً، رضي سلمان بذلك بعد أن كان قد رأى النخيل فاطمأنت نفسه بأنه سيلتقي النبي الموعود، وهذا خفّف عن سلمان واقع الرق والعبودية، لأنه وجد يثرب كما وصفها له أسقف عموريا، وبينما هو يعمل في بستان اليهودي يسمع يهودياً يُخبر مالكه بأنه وصل إلى منطقة قباء رجل يقول أنه نبي، فانتظر سلمان إلى أن أنهى عمله بعد الغروب وأخذ معه شيئاً من التمر والعنب وتوجّه إلى قباء وهو يُحدّث نفسه بأنه لا بد وأن يكون هذا هو النبي الذي ينتظره، فبدأ باختيار إحدى العلامات، فقال سلمان لرسول الله (ص): لقد بلغني أنك رجل صالح وأنك ومن معك غرباء هنا، ومعي طعام كنت قد خرجت به للصدقة ورأيت أن أعطيه لكم لأنكم عابري سبيل . فقال النبي (ص) لأصحابه: كلوا منه . ولم يتناول منه شيئاً، فقال سلمان لنفسه: هذه أولى العلامات التي حدّثني عنها القس الطيّب .
ثم دخل النبي (ص) يثرب فجاءه سلمان بتمرٍ وعنب وقدّمها للنبي (ص) قائلاً: إنّها هدية لك لأني رأيتك لا تأكل الصدقات . فأكل منها رسول الله (ص) وأكل أصحابه معه، فأيقن سلمان أنّ هذه العلامة الثانية، وخرج النبي (ص) لتشييع جنازة والصلاة عليها، فخرج سلمان خلفه ليرى خاتم النبوة على ظهره، احس النبي (ص) بأن سلمان يبحث عن علامة في ظهر رسول الله (ص)، فألقى رداءه فرأى سلمان الخاتم، فانحنى أمام رسول الله (ص) يقبّله ويبكي، فأمسك به رسول الله (ص) وسأله: عما بكاؤه؟ وما هي قصّته؟ فحكى له سلمان حكايته كاملةً، وشهد الشهادتين وأخذ يتردّد على المسجد، ولم يخرج لبدرٍ ولا لأحد لأنه كان عبداً لليهودي، لكنّ النبي (ص) قال له: كاتب صاحبك . فكاتب صاحبه على ثلاثماية نخلة وأربعين أوقية من الفضة، إن أدّاها له صار حرّاً، وساعده المسلمون بأمرٍ من رسول الله (ص) الذين أمّنوا له ثلاثماية فسيل أخذها للأرض التي أمّنها اليهودي وغرسها رسول الله (ص) بيديه الشريفتين، وساعده رسول الله (ص) على تأمين المال فصار سلمان حرّاً، فلازم رسول الله في المسجد وفي كلّ المواقع .
إنّ إسلام سلمان لم يكن بدافع عاطفي أو مصلحة أو استجابة لضغوط، إذ أنه دخل في الإسلام عن قناعة وإيمان، لأنه ترك أهله وبلده وهو يبحث عن العقيدة الصحيحة والدين الحق، وتحمّل في سبيل ذلك الرق والعبودية، وبعد ان اهتدى للحق وملك حريّته جعل حياته كلّها لله ورسوله، لم يُكتب له الاشتراك في معركة بدر ولا أحد، وإن كان قد فرح بإسلامه من أوّل يوم أقام فيه رسول الله (ص) في المدينة، لكنه كان عبداً ليهودي من بني قريضة، منعه ذلك من الخروج مع المسلمين، لكن كانت له مساهمة فعّالة في هزيمة قريش والأحزاب الذين قصدوا المدينة بجيشٍ عظيم يقوده أبو سفيان، جيشٌ أرعب المسلمين وألقى في قلوب الكثيرين منهم الرعب، يصفهم في كتابه سبحانه ” وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ” حتى أنّ بعضهم تزلزل إيمانه ” وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا “، جمع النبي (ص) بعض أصحابه يستشيرهم؛ كيف تكون مواجهة هذا الزحف الذي لا قِبَل لهم به؟ فقال سلمان: يا رسول الله كنا معاشر الفرس إذا داهمنا عدو خندقنا حول مدننا . فاستصوب النبي (ص) رأي سلمان وأمر بحفر خندق في الجهة التي يمكن للعدو أن ينفذ منها إليهم، وشارك النبي (ص) المسلمين في حفر الخندق كأحدهم وهو يقول (ص): اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة؛ فاغفر للأنصار والمهاجرة . اعترضتهم في الخندق صخرة كبيرة لم يستطيعوا التأثير فيها حتى فكّروا في تحويل وجهة الحفر، لكن النبي (ص) المشارك معهم في الحفر قال لهم: اعطوني المعول . أخذه (ص) وضرب الصخرة ضربة تطاير فيها الشرر واللهب، فقال (ص): الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام وإني أرى قصورها الحمراء . وكانت الضربة الثانية كالأولى، فكبّر رسول الله (ص) وقال: أعطيت فارس إني أرى المدائن . وضرب الضربة الثالثة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح صنعاء وإني لأرى أبوابها . حتى حفروا الخندق المطلوب وكان طوله حوالي الثلاث كيلو مترات، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه تسعة أذرع، ولمّا وصلت قريش حال الخندق بينها وبين جند المسلمين، وأقاموا أياماً ولم يستطع قطع الخندق إلاّ عمرو بن ود العامري مع اثنين من أصحابه، المشهد الذي أرعب المسلمين، ولم يجرؤ أحدٌ على مبارزته رغم نداءات النبي (ص) الكثيرة ووعده لمن يبرز له بالجنة، إلاّ الإمام علي (ع) الذي نصر الله رسوله والمسلمين به، وقد قال رسول الله (ص) – حينما برز علي (ع) -: برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه . وانتهت المعركة بنصر المسلمين بفكرة سلمان وشجاعة علي (ع) وحكمة رسول الله (ص) .
صار أهل المدينة يقولون: سلمان منّا . والمهاجرون يقولون: سلمان منّا . فقال النبي (ص): سلمان منّا أهل البيت . وروي عنه (ص) أنه قال: لا تغلطن في سلمان، فإن الله تبارك وتعالى أمرني أن أطلعه على علم البلايا والمنايا والأنساب، وفصل الخطاب . وعنه (ص): سلمان مني من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني . وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): إِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ . وذكر كتاب أسد الغابة لابن الأثير: سُئل علي (ع) عن سلمان فقال: امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحراً لا ينزف . وروي عن الإمام الصادق (ع) قال في سلمان: أدرك سلمان العلم الأوّل، والعلم الآخر، وهو بحر لا ينزح، وهو منّا أهل البيت .
لازم رسول الله (ص) ولازم أمير المؤمنين (ع)، وكان واحداً من الذين بقوا على أمر رسول الله (ص) ومن الذين اعترضوا على تنحية الأمر عن علي (ع) وبقي معه في البيت ولم يبايع إلاّ بعد أن بايع علي (ع) حين أخرجوه موثوقاً من بيته للبيعة، وكان سلمان يقول: أخذوا حق علي . وله احتجاجات لكنه كان يسكت ما دام علي (ع) ساكت، وحينما حدّثه بعضٌ بالأمر ولماذا لا يقوم؟ أشار إلى علي (ع) وقال: لو شاء لقلب هذه على هذه . مشيراً إلى السماء والأرض .
في عهد عمر صار والياً على المدائن، وجعلوا له عطاءً خمسة آلاف درهم كان يوزّعها على الفقراء والمحتاجين، ويشتري بدرهمٍ سعف النخيل، يعمل بها [قفّة] يبيعها بثلاث دراهم، فيتصدّق بدرهم، ودرهم يصلح بها حاله، والدرهم الثالث يشتري به السعف . دخل عليه جماعة وهو يعمل الخوص، وكان اميراً على المدائن، فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق .. فقال: إنّي أحب أن آكل من عمل يدي . وذكر أنّه تعلّم الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه .
سأل ابن نباتة أمير المؤمنين (ع) عن سلمان فقال (ع): ما أقول في رجل خلق من طينتنا، وروحه مقرونة بروحنا، خصه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها. ولقد حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسلمان بين يديه. فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه. فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال: يا أعرابي. أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض! يا أعرابي، أتنحي رجلاً ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عزّ وجلّ أن أقرئه السلام! يا أعرابي، إن سلمان مني، من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني، ومن باعده فقد باعدني، ومن قربه فقد قربني، يا أعرابي لا تغلطن في سلمان، فإن الله تبارك وتعالى قد أمرني أن أطلعه على علم المنايا والبلايا ، والأنساب وفصل الخطاب. قال: فقال الأعرابي: يا رسول الله، ما ظننت أن يبلغ من فضل سلمان ما ذكرت، أليس كان مجوسياً ثم أسلم؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) يا أعرابي أخاطبك عن ربي، وتقاولني؟! إن سلمان ما كان مجوسياً، ولكنه كان مظهراً للشرك، مبطناً للإيمان. يا أعرابي، أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ” فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً “. أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” . يا أعرابي خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، ولا تجحد فتكون من المعذبين، وسلم لرسول الله قوله تكن من الآمنين .
وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع): جلس جماعة من أصحاب رسول الله (ص) ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان رحمه الله، فقال له عمر: ما نسبتك أنت يا سلمان وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنتُ ضالاً فهداني الله بمحمدٍ، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمدٍ، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمدٍ، فهذا حسبي ونسبي يا عمر . ثم خرج رسول الله (ص) فذكر سلمان ما قال عمر وما أجابه به، فقال رسول الله (ص): يا معشر قريش؛ إنّ حسب المرء دينه ومروّته خُلقه، وأصله عقله، قال تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” ثم أقبل على سلمان فقال له: سلمان؛ إنه ليس لأحدٍ من هؤلاء عليك فضل إلاّ بتقوى الله عزّ وجلّ، فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه . وذكر في كتاب أنساب الأشراف [ص386-387] أنّ سلمان زار المنطقة فخرج الناس واستقبلوه استقبال الأمراء، وكل يريد التشرّف باستضافته، فسأل عن أبي الدرداء، فقيل: هو مرابط . فقال: وأين مرابطكم؟ قالوا: بيروت . فلما صار إلى بيروت واجتمع بمن فيها، قال سلمان: يا أهل بيروت ألا أحدّثكم حديثاً يذهب عنكم عرض الرباط [تعب الرباط]، سمعت رسول الله (ص) يقول: رباط يومٍ كصيام شهرٍ وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر وأجرى له ما كان يعمل إلى يوم القيامة .كان اسلوب حياة سلمان ولباسه وطعامه شبيهاً بإسلوب النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع)، كان والياً على المدائن ولباسه بسيط، وهو يتفقّد السوق قال له رجل: احمل عنّي هذا الكيس . وهو لا يعرف سلمان بل ظنّه حمّالاً، فحمله سلمان وفوجئ الرجل بالناس يسلمون عليه بالأمير، خاف الرجل واعتذر من سلمان وأراد أن يأخذ الكيس عنه، فرفض سلمان حتى أوصله إلى المكان المطلوب . وقد كان سلمان خفيف شعر اللحية، فقال له أحد السفهاء: لحية كذنب الكلب . فلم يلتفت إليه سلمان، وعرف الرجل أنّ هذا أمير المدينة، خاف الرجل وجاء لسلمان معتذراً، فقال له سلمان: يا هذا هوّن عليك؛ إنّها إن عبرت الصراط فليست كما تقول، وإن لم تعبر الصراط؛ فذنب الكلب خير منها . وحضره أحدهم وقت الغداء، فقدّم له سلمان ما أعدّه لطعامه وهو خبز ولبن، فقال الضيف: لو أنّ خبزنا شيء من السعتر . فغاب سلمان للحظات وجاء بالسعتر، فلمّا انتهى الرجل من طعامه قال: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا . فقال له سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة . إذ أنّ سلمان رهن المطهرة لدى بائع السعتر ليكرم ضيفه . وشب يوماً حريق في المدائن التهم المنازل والدور وما فيها، وانشغل الناس بالإمساك بما خفّ وزنه وغلا ثمنه، حمل سلمان ما لديه من أثاث [ مطهرة ولبادة صوف يجلس عليه وإناء ] فقال له الناس: يا سلمان . فقال رضوان الله عليه: هكذا ينجو المخفّون .لم يترك في حياته فرصة للتعلّم والجهاد والتعليم إلاّ وأخذ بها ، وكانت وفاته في المدائن في الثامن من شهر صفر سنة 35 للهجرة، وبوصيّة منه جاء أمير المؤمنين (ع) في نفس الليلة من المدينة إلى المدائن وغسّل سلمان وكفّنه وصلّى عليه وواراه لحده . وصار قبره مزاراً في المدائن، وكان ملوك بني العباس يزورونه، ومنهم المستنصر العباسي الذي خرج يوماً إلى زيارة قبر سلمان ويرافقه الشاعر عز الدين بن الأقساسي وكان من أشراف أهل الكوفة، فقال له المستنصر: إنّ من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من مجيء علي بن أبي طالب أنه حضر من المدينة إلى المدائن لما توفي سلمان وتغسيله إياه ورجوعه في ليلته إلى المدينة . فأجابه ابن الأقساسي بالبديهة وقال:
أنكرت ليلة إذ صــــار الوصي إلى * أرض المدايـــــن لمـــا أن لها طلبا
وغسل الطــــهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثــــرب والاصباح ما وجبا
وقلــــت : ذلك من قول الغلاة وما * ذنـــــب الغـلاة إذا لم يوردوا كذبا ؟
فآصـــــف قـبل رد الطرف من سبأ * بعــرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
فـــــأنت فـي آصف لم تغل فيه بلى * فـــــي (حـيدر) أنا غال ان ذا عجبا
إن كان أحمد خير المرسلين ؟ فذا * خـــير الوصيين أو كل الحديث هبا
أقام عليه الحجة بأن الإنسان الواصل إلى الله تُطوى له الأرض، وذكر له حكاية آصف بن برخيا وصي النبي سليمان (ع) الذي جاءه بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يرتد طرفه، وعلي (ع) خير الأوصياء، فإذا لم يكن قادراً على ذلك بإذن الله فحديث آصف غير صحيح وهذا يستدعي تكذيب القرآن وهو كفر، فسكت الذي حقد .
روي عن سلمان أنه قال: قال سلمان الفارسي المحمدي: أوصاني خليلي (ص) بسبع خصال لا أدعهن على كل حال: أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني, ولا أنظر إلى من هو فوقي, وأن أحب الفقراء وأدنو منهم, وأن أقول الحق وإن كان مرا, وأن أصل رحمي وإن كانت مدبرة, ولا أسأل الناس شيئا, وأوصاني أن أكثر من قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” فإنها كنز من كنوز الجنة. وجاء في تفسير ابن كثير: روى الترمذي عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله (ص) يوما هذه الآية” وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ” قالوا ومن يستبدل بنا؟ قال فضرب رسول الله (ص) على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه، هذا وقومه . وورد مثله وما في معناه في الصحاح، فضلاً عن روايات أتباع مذهب أهل البيت (ع) .
والأيام أثبتت ذلك؛ خاصة في هذا الزمان حيث تتزعم الجمهورية الإسلامية مواجهة قوى الكفر والطغيان، بينما كثير من العرب والمسلمين يتواطؤون مع أعداء البشرية الصهاينة وينفذون المشروع الصهيو أمريكي بتمويل التكفيريين وتغطية نفقات الحروب التي يشنّها التحالف الصهيو أمريكي، فها هي بعض دول الخليج تجاهر بعدائها للإسلام المحمدي الأصيل ويتركون القضية الفلسطينية، محاولة منهم بإتمام وعد بلفور المشؤوم، بينما إيران الإسلام ومحورها يؤسسون لمؤتمرات تُسقط وعد بلفور وتخطّط لوعد الآخرة الذي سيتم قريباً إن شاء الله، والذي تظهر بشائره في صمود محور المقاومة من طهران إلى فلسطين مروراً بالعراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان، هذا الصمود الإسطوري الذي تعهّد بالقضاء على التكفيريين السفيانيين الذين سنشهد هزيمتهم في القريب العاجل إن شاء الله .من هنا؛ على شركائنا في الوطن الذين يتماهون مع المشروع الصهيو أمريكي ويحجّون للسعودية في الرياض وجدّة مُتآمرين على المثلث الماسي الذي هزم الصهاينة وحفظ لبنان؛ أن يصلحوا أمرهم قبل فوات الأوان ليحفظوا مراكزهم ويحفظوا لبنان، ليتفرّغ الجميع لمواجهة الإهمال ومنع الفساد والنهب والفوضى، ليكون الناس سواسية وليبقى لبنان وطناً نهائياً لكل أبنائه وطوائفه، لأنّ الأمر لا يستقيم إلاّ إذا تساوى المواطنون بالحقوق والواجبات .وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .
تصوير:رامي أمين