Home / أخبار صور / خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي ” التّعاون والتّكافل “

خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي ” التّعاون والتّكافل “

۞ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۞
خلق الله سبحانه الإنسان في دار الدنيا، وزوّده بقدرات عقلية وجسدية، وأوجد التفاوت بين الناس في قدراتهم العقلية، وأمرهم بالسعي في الدنياوإعمارها والتزوّد منها لحياة الآخرة، وبالطبع الإنسان ضعيف لا يقدر بمفرده على القيام بكل شيء، قال تعالى ” وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، هذا الضعف يُشعر الإنسان بعجزه وأنّه بحاجة لأخيه الإنسان لقضاء مصالحه ونيل مطالبه، وهذا ما يجعل الإنسان اجتماعياً بالطبع؛ إذ لا يمكن لأي بشري – مهما أوتي من قوّة ومن امكانيات، ومهما آتاه الله من الأسباب – أن يعيش على الأرض منفرداً، بل يبقى بحاجة إلى الناس ليصل إلى مراده؛ وهذا هو التعاون .
لقد أمر الله تعالى البشر بالتعاون على البر والتقوى؛ لبناء المجتمعات السليمة التي تسودها المودة والرحمة، في النبوي الشريف: مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . وفي القرآن والروايات ورد كثيرٌ الحث على التعاون على البر وما فيه خير الإنسان .
ولقد نهى الله سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان، فكما أمر سبحانه عباده بالتعاون على أنواع الخير والعمل الصالح؛ حذّرهم ونهاهم عن كل تعاونٍ على منكر، وعن كل ما فيه إثم وانتهاك لحرمات الله سبحانه، وأمر بولاية المؤمنين لبعضهم البعض، قال تعالى ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ” .
بالتعاون على البر صلاح الدنيا، وبالتعاون على التقوى صلاح الآخرة، عن رسول الله (ص): من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السّكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه .
الإنسان خُلق ليعمل صالحاً، فالمؤمن يعيش للعمل الصالح؛ فلا يهتم في دنياه إلاّ للصالح من الأعمال، فيُعين الآخرين على البر، ويستعين بهم إن احتاجهم، ليقي نفسه حرّ جهنّم، حتى لا يندم عند لقاء الله سبحانه على ترك العمل الصالح، قال تعالى ” حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ” فالأمر بالتعاون على البر والتقوى لبناء مجتمع سليم يقوم على الأخوة والمحبّة والتكافل والإيثار، فقد كان الإنسان في العصر الجاهلي مُنطوياً على نفسه، يعيش الظلم، ويغزو بعضهم بعضاً، ويستولي القوي على الضعيف، فجاء الإسلام لإحداث انعطافةٍ اجتماعية، بعد أن كان الإنسان الجاهلي منعزلاً على نفسه؛ صار – بفضل الإسلام – إنساناً اجتماعياً يشعر بمعانات إخوانه، فيفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، يُعينهم إذا احتاجوا للعون، ويشاركهم في مكاره الدهر، قال تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا “، وأكّدت الروايات النبوية على ضرورة ترسيخ مبدأ التعاون والتكافل، مؤكّدة على مبدأ الأخوة: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه . عن رسول الله (ص): مَنْ سعى في حاجة أخيه المؤمن؛ فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله .
وسلكت مدرسة أهل بيت النبوة (ع) منهج رسول الله (ص)؛ فأمرت أتباعها بالحفاظ على حالة التكافل والتعاون والإحسان فيما بينهم، قال أمير المؤمنين (ع): خير الناس من نفع الناس . ورسم حفيده الإمام الصادق (ع) معادلة إلهية؛ حيث قال: إنّ الله في عون المؤمن؛ ما كان المؤمن في عون أخيه . وعنه (ع): قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة مُتقبّلة بمناسكها، وعتق ألف رقبة لوجه الله، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها . ولم يترك الإمام الصادق (ع) فرصةً إلاّ وأمر شيعته بالتعاون حفاظاً على مبدأ الأخوة في كلّ الأحوال والظروف، يروي محمّد بن مسلم أنّه قال: أتاني رجل من أهل الجبل فدخلت معه على أبي عبد الله عليه السلام فقال له عند الوداع: أوصني فقال عليه السلام: أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم وأحبّ له ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فاعطه، فوازهِ وأكرمهُ ولاطفهُ؛ فإنّه منك وأنت منه . وعن الإمام الباقر (ع): لأن أعول أهل بيت من المسلمين؛ أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أن أحج حجةً وحجةً ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين .
وكما حث أهل بيت النبوة (ع) على قضاء حاجة المؤمن؛ حذّروا من يترك مساعدة ونصرة المؤمن، وعدم قضاء حاجته، عن الإمام الصادق (ع): أيّما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة، وهو يقدر على قضائها فمنعه إيّاها، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديداً، وقال له: أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاءها في يدك، فمنعته إيّاها زهداً منك في ثوابها، وعزّتي لا أنظر إليك اليوم في حاجة، معذّباً كنت أو مغفوراً لك . وعن الإمام الكاظم (ع): من قصد إليه رجل من إخوانه، مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عزّ وجلّ . وعن الإمام الصادق (ع): ما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة . وعنه (ع): اختبروا أخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالأخوان في العسر واليسر .
لقد أراد أئمة أهل بيت النبوة (ع) للمؤمنين أن يعيشوا المحبة والوحدة، وأن يحمل بعضهم همّ بعض؛ لتمتين الأواصر الاجتماعية بين الناس، لضمان تقدّم الإنسان وارتقائه، عن محمد بن عجلان قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فدخل رجل فسلّم، فسأله: كيف من خلّفت من إخوانك؟، فأحسن الثناء وزكّى وأطرى،فقال له ” كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال قليلة، قال: كيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك تذكر أخلاقاً ما هي في من عندنا، قال: فكيف يزعم هؤلاء أنهم لنا شيعة؟! . وعن سعيد بن الحسن قال: قال أبوجعفر (عليه السلام): أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبوجعفر (عليه السلام): فلا شيء إذا، قلت: فالهلاك إذا؟ فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد. يقصد الإمام (ع) أنهم لم يصلوا إلى المستوى الاجتماعي المطلوب، حيث تغيب الأنا وحب الذات، وتسود الروح الاجتماعية والتعاون، وقد جسّد أهل بيت النبوة (ع) قيم التعاون والتكافل والتراحم بأفعالهم قبل أقوالهم – حتى مع أعدائهم -، قال الواقدي: كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين في إمارته فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال : ما أخاف إلا من علي بن الحسين ، فمر به علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان ، وكان علي قد تقدم إلى خاصته الا يعرض له أحد منكم بكلمة ، فلما مر ناداه هشام : الله أعلم حيث يجعل رسالته . ويقول أمير المؤمنين (ع): عجبتُ لمن يرجو رحمة مَنْ فوقه؛ كيف لا يرحم مَنْ دونه . وقال الإمام الصادق (ع): خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان والسعي في حوائجهم، وإنّ البار بالإخوان ليحبّه الرحمن، وفي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران ودخول الجنان .
لولا التعاون والتكافل لما قام الإسلام، ولما سلمت المجتمعات، فأول عمل قام به المسلمون أنهم تعاونوا على بناء المسجد، وقاسم الأنصار المهاجرين بأموالهم، وفي حفر الخندق أبرز شاهد؛ حيث شارك رسول الله (ص) المسلمين، يقول البراء بن عازب: رأيت النبي (ص) يوم الخندق وهوينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره .
وتمكّن المسلمون من إقامة دولة الإسلام، وانتصروا على الروم والفرس بتعاونهم في طاعة الله سبحانه، وفي هذه الأيام نعيش ذكرى انتصار الثورة الإسلامية التي أسقطت أكبر طاغوت في المنطقة، إذ تعاون الشعب الإيراني مع قيادته بإطاعتهم، لأنّ التعاون مطلوب في كلّ المجالات؛ تعاون على طاعة الله سبحانه، وتعاون في الدعوة إلى الله سبحانه، وعندما ترك المسلمون التعاون والإيثار والعمل لله سبحانه؛ سقطوا وتفرّقوا، وقد نهى الله سبحانه عن التفرقة والتنازع ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ” وقال تعالى ” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ” .
إن السيادة اللبنانية محمية بالثلاثية الماسية التي كما تحمي البر اللبناني ستحمي بحره وجوّه، ونشدد على أن التهديدات الصهيونية الأخيرة يجب أن تدفعنا للتمسك أكثر بحقنا الطبيعي في ثرواتنا التي ننتظر مساهمتها في النهوض الاقتصادي بالبلد. ونؤكد على ضرورة معالجة مسببات الأزمة التي حصلت في الاسبوع الماضي عبر احترام الوحدة الوطنية واتفاق الطائف كمقدمة لإلغاء الطائفية السياسية التي تأخذ البعض لخطاب تدميري للوطن.
ونشدد على ضرورة إقامة الانتخابات النيابية المقبلة في وقتها لتأكيد الأمن والاستقرار من قبل المسؤولين وكذلك للسماح للمواطن بحقه في اختيار ممثليه، ونتمنا أن يتم اختيار المرشح وفق انتمائه الوطني ومصداقيته وبرنامجه وليس وفق أي عصبية من هنا أو هناك.
ونشيد بالاتصال الأخير الذي جرى بين الرئيسين عون وبري وما جرى عليه الاتفاق، ونؤكد أن البلاد تحكم بالاتفاق الحريص على لبنان سيادة ووحدة، وعلى اللبناني استقرارا ومعيشة.
ونطالب المؤسسات الدولية والأمم المتحدة بالضغط على النظام البحريني لإنهاء الأحكام التعسفية ومنها أحكام الاعدام، ودعى الشعب العربي والإسلامي للضغط لوضع حد لكل الحروب في المنطقة والتفرغ للتحرير فلسطين.
ونختم بالمطالبة بدعم الانتفاضة الفلسطينية بكل السبل الممكنة والحفاظ على وكالة الأونروا التي ترتبط بحق العودة المقدس.
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .

Check Also

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم