أشاد رئيس “لقاء علماء صور ومنطقتها” العلامة الشيخ علي ياسين، في تصريح، “بالموقف الرسمي اللبناني الرافض للضغوط الأميركية ومن ورائها الإسرائيلية، والذي يؤكد بأنه لا مساومة ولا تنازل عن الحقوق النفطية وغيرها من ثروات لبنان، وهذا خير دليل على أن قوة لبنان في توحده خلف خيار ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة كحالة عامة تحمي لبنان عسكريا واقتصاديا وسياديا، وتؤسس أرضية للنهوض الذي يحتاج إلى قيادات شجاعة ونزيهة”.
واعتبر ياسين ان “الانتخابات النيابية المقبلة فرصة أخيرة لبعض الافرقاء السياسيين في لبنان لإثبات ولائهم للوطن والحفاظ على المال العام والعمل الدؤوب على خدمة المواطن الذي ضاق ذرعا بوعود سياسية زائفة من كهرباء وصحة وماء وتعليم وتنمية وغيرها، من هنا يجب أن تنتج هذه الانتخابات قيادات تستثمر ثروات لبنان خصوصا الغاز والنفط لمصلحة الوطن والمواطن، وتنتج سياسيين يحفظون هذه الثروات ولا يتركونها كغيرها عرضة للفساد وسوء الإدارة والمحسوبيات والنزعات الطائفية”.
ورأى أن “على المرشحين تقديم برامج تنموية حقيقية وشفافة، والابتعاد عن الخطابات الحماسية فارغة المضمون، التي تضع الناخب في خانة التبعية للمرشح، على عكس ما يجب أن يكون المرشح ممثلا ومكلفا من قبل الناخب بالمحافظة على مصالح الوطن والمواطنين”، ودان “تدخل بعض السفارات وخصوصا الأميركية في الشأن الانتخابي اللبناني”.
وختم ياسين مشيدا “بالانتفاضة الفلسطينية المتصاعدة”، مؤكدا أن “كيان المجتمع الصهيوني لا يمكن وصفه إلا بالمتوحش البربري”.
خطبة الجمعة ” التّفقّه في الدّين ”
فضيلة الشيخ علي ياسين العاملي [جامع الدينية 23- 2-2018م مدينة صور]
” وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ”
عن الإمام الكاظم (ع): تفقّهوا في دين الله؛ فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملاً .
عندما خلق الله سبحانه آدم وزوجته في الجنّة؛ أباح لهما كلّ شيء في الجنّة، إلاّ أن ينالا من الشجرة المُعيّنة، وإذا خالفا الأمر وأكلا منها فيكونا ظالمين، زيّن لهما ابليس ورغّبهما أن يأكلا منها؛ عسى أن يكونا ملكين، أو يُكتب لهما الخلود، فتمكّن من غوايتهما وتضليلهما حتى أكلا من الشجرة، وخالفا النهي الإلهي، فكانا ظالمين لأنفسهما، ونزلا إلى الأرض ليعبدا الله ويكون آدم خليفة لله على الأرض، فيعمّرها بعبادة الله، وأمره الله بما ينفعه، ونهاه عمّا يضرّه، ووعده وذريّته المطيعين بأنّ لهم جنة عرضها السموات والأرض؛ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هي دارهم بعد الحياة الدنيا خالدون فيها، وأمّا العصاة من بني آدم الذين ظلموا أنفسهم وعاشوا في الدنيا للدنيا، عبيد لشهواتهم وغرائزهم مخالفين لما سنّه الله لهم فقد أعدّ لهم ناراً خالدين فيها .
وأرسل الله الأنبياء على مرّ التاريخ؛ ليرشدوا الضالين من بني البشر، وكان خاتم الأنبياء وسيّدهم محمد بن عبد الله (ص)، الذي جاء بشريعة سهلة سمحاء، بيّن فيها كيف نعبد الله سبحانه، ونطيعه في عباداتنا ومعاملاتنا، وأوجب على الإنسان أن يتفقّه في الدّين ويتعرّف على الأحكام، قال أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد: يا كميل ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة . وعن النبي (ص): ما عُبد الله بشيءٍ أفضل من التفقّه في الدّين .
يجب على الإنسان أن يتعلّم ويتفقّه في الدين ليُحصّن نفسه ويُصحّح عمله، عن الإمام الصادق (ع): سارعوا إلى طلب العلم؛ فوالذي نفسي بيده لحديث واحد في حلال وحرام تأخذه من صادقٍ خيرٌ من الدنيا وما حملت من ذهبٍ وفضّةٍ . وعن أمير المؤمنين (ع): أيها الناس اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به، وأنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال . وعن الإمام أبي عبد الله (ع): لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة، ولا يقبل المعرفة إلا بعمل، فمن عرف دلّته معرفته على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، إنّ الإيمان بعضه من بعض .
الله سبحانه أوجب التفقّه كما أوجب الجهاد، قال تعالى ” وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ” جعل الله المؤمنين فرقتين؛ أوجب على إحداهما النفر للجهاد في سبيل الله، وعلى الثانية التفقّه في دين الله، فالإسلام يُحفظ بالجهاد وبالتعلّم، إذ لا تصح عبادة الله بدون فهمٍ صحيحٍ للشريعة، ورأس العبادة وأساسها توحيد الله سبحانه ثم التفقّه في العبادات والمعاملات، عن رسول الله (ص): إنّ لكل شيء دعامة؛ ودعامة هذا الدّين الفقه . وعن أمير المؤمنين (ع): إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقّههُ في الدين وألهمهُ اليقين . وعن الإمام الكاظم (ع): وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف. وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة. وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب. ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه . وعن الإمام الكاظم (ع) قال: دخل رسول الله (ص) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا؟ فقيل: علامة. فقال: وما العلامة في رأيكم؟ قالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والأشعار العربية. فقال (ص): ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه؛ ثم قال النبي (ص): إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل . وعن رسول الله (ص): من يريد الله به خيراً يُفقّهه في الدين . وفي الحديث عن أنس بن مالك قال: أن رسول الله (ص) قال: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال: حلق الذكر، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم . وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا أما إني لا أعني حلق القصاص ولكني أعني حلق الفقه . وفي الحديث الشريف: قليل الفقه خير من كثير العبادة، وكفى بالمرء فقهاً إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب بنفسه، وإنما الناس رجلان، مؤمن وجاهل، فلا تؤذِ المؤمن ولا تحاور الجاهل . وفي رواية عن أمير المؤمنين (ع): أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ (ص): الْعِلْمُ بِاللَّهِ ، وَالْفِقْهُ فِي دِينِهِ ، فَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) ، لَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ ، فَسَأَلَهُ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ الأَوَّلِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَسْأَلُكَ عَنِ الْعَمَلِ فَتُخْبِرُنِي عَنِ الْعِلْمِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): نَعَمْ ، إِنَّ الْعِلْمَ يَنْفَعُكَ مَعَهُ قَلِيلُ الْعَمَلِ وَكَثِيرُهُ ، وَإِنَّ الْجَهْلَ لا يَنْفَعُكَ مَعَهُ قَلِيلُ الْعَمَلِ وَلا كَثِيرُهُ .
لتكون الأعمال مقبولة؛ علينا أن نتفقّه في ديننا، ونتعرّف على أحكامنا، ونُخصّص وقتاً للتعلّم والتّفقّه والدرس، عن النبي (ص): أفٌ لكل مسلم لا يجعل في كلّ جمعة يوماً يتفقّه فيه أمر دينه ويسأل عن دينه .
طبعاً التفقّه لا يقتصر على تعلّم الأحكام الشرعية، ودراسة الرسالة العملية؛ بل هو تعلّم كل مسائل الدين؛ من عقائدية وأخلاقية … والتعرّف على الخصال الحميدة، فالمسلم الذي يهمّه دينه؛ يُبادر بالسؤال عن أي مسألة تستعصي عليه في شؤون دينه، والأحاديث تحثّ على السؤال، وأن لايستحي المرء من أن يسأل، لأنّ الرضا بالجهل هو العيب، وورد في الحديث: سل عن أمور دينك حتى يُقال عنك مجنون . وعن أبي عبد الله (ع) قال: تفقّهوا في الدين ولا تكونوا أعراباً، فإنّ من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه ولم يُزكِّ عمله .
لا يمكن لمن لم يتفقّه في دينه أن يهتدي طريق عبادة الله سبحانه، عن أمير المؤمنين (ع) قال: العامل على غير بصيرة كالسائر على السراب بقيعة لا يزيد سرعة سيره إلا بعدا .
إنّ التفقّه في دين الله خيرٌ كلّه، لأنّ العبد يعرف حقّ الله عليه، وجزاءه عند ربّه على عمله؛ خيره وشرّه، فيتعرّف على الطاعات والفرائض؛ فيُحافظ عليها ويؤدّيها، ويعرف الكبائر والمنكرات فيتجنّبها ويتوب إلى الله من الذنوب التي ارتكبها، وينشط في الدعوة إلى هذا الدين، لأنّه بتفقّههِ أدرك عظمة هذا الدين، وإنّ من دلّ على خيرٍ فله كلّ أجر فاعله، ولا يُقدّم إلاّ الخير للناس، حتى يأتي آمناً يوم القيامة، ولا يُسيء لأحدٍ، ويبتعد عن ظلم الناس، لأنّه عرف أن ” مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ “، فإذا تفقّه الإنسان عرف قيمة الحياة، وأنّه خُلق للآخرة – لا للدنيا -، ويعرف أن كلّ نعيمٍ دون الجنة محقور، وأنّ كل بلاءٍ دون النار عافية، فيشعر بالسعادة إذا وُفّق لعملٍ فيه صلاحُ آخرته، ولو كان بذلُ مالٍ أو حصول بلاء، وحتى أنّه يبذل نفسه شهيداً في سبيل الله بكل سعادة وفرح، لأنه هو والجنة كم قد رآها؛ فيعيش نعيمها في نفسه، وما بينه وبين ربّه، فيرى أنّ ما قدّمه ضئيلٌ وحقير أمام ما عوّضه الله سبحانه عليه من جنّة عرضها السموات والأرض، وأنّ صبره على بلاءات الدنيا يقيه حرّ جهنّم، فتصبح تلك البلاءات نعيماً ورحمة، لأنه أدرك أنه ما من خيرٍ بخير] بعده النار، وما من شرٍ بشرٍ بعده الجنة، هذه الطمأنينة والشعور بالقرب من الله سبحانه لا تحصل إلاّ بالتفقّه والتعرّف على عظمة الله سبحانه وجميل مخلوقاته .
إننا نشيد بالموقف الرسمي اللبناني الرافض للضغوط الأمريكية ومن ورائها الإسرائيلية، والذي يؤكّد بأنه لا مساومة ولا تنازل عن الحقوق النفطية وغيرها من ثروات لبنان، وهذا خير دليل على أنّ قوّة لبنان في توحّده خلف خيار المقاومة كحالة عامة تحمي لبنان عسكرياً واقتصادياً وسيادياً، وتؤسّس أرضيةً للنهوض الذي يحتاج إلى قيادات واعية وشجاعة ونزيهة .
وبالنسبة لموضوع الانتخابات النيابية المقبلة التي تُعتبر فرصة أخيرة لبعض الفرقاء السياسيين في لبنان لإثبات ولائهم للوطن والعمل الدؤوب على خدمة المواطن الذي ضاق ذرعاً بوعودٍ سياسية زائفة [من كهرباءٍ وصحة وماء وتعليم وتنمية وغيرها]، من هنأ نؤكّد أنه يجب أن تُنتج هذه الانتخابات قيادات تستثمر ثروات لبنان – خصوصاً الغاز والنفط – لمصلحة الوطن والمواطن، وتنتج سياسيين يحفظون هذه الثروات ولا يتركونها – كغيرها – عرضة للفساد وسوء الإدارة والمحسوبيات والنزعات الطائفية .
وبموضوع البرامج الانتخابية نرى بأنّه على المرشحين تقديم برامج تنموية حقيقة وشفافة، والابتعاد عن الخطابات الحماسية الفارغة المضمون، التي تضع الناخب في خانة التبعية للمرشّح، على عكس ما يجب أن يكون المرشّح ممثلاً ومكلّفا من قِبل الناخب بالمحافظة على مصالح الوطن والمواطنين، وندين تدخّل بعض السفارات – وبالأخص الأمريكية – في الشأن الانتخابي اللبناني .
ونتوجّه للناخب اللبناني بأن يُبادر إلى انتخاب المرشّح الأصلح للبنان دون التأثر بخطابٍ سياسي داخلياً أو خارجياً، وانتخاب من يخدم اللبنانيين بأجمعهم دون فئة من الناس، وأخذ العبرة من التجربة التي أتت ببعض نواب وعدوا بخدمة فئة دون غيرها من الشعب، وما خدموا سوى أنفسهم وحواشيهم فقط، وبقي من انتخبهم ينتظر ثمار الوعود الوهمية .
ونختم بالإشادة بالانتفاضة الفلسطينية المتصاعدة، مُؤكدين على أنّ كيان المجتمع الصهيوني لا يمكن وصفه إلاّ بالمتوحّش البربري، الذي كانت من أواخر جرائمه قتل الأسير السراديح تحت التعذيب، في مشهدٍ يؤكّد أخوية الصهيونية والتكفيرية في تدمير البشر والحجر .
وآخر دعوانا أن صلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .