قضت مشيئة الله وحكمتُه أن يكون الإمام زين العابدين (ع) مريضاً يوم العاشر، وغير قادر على الوقوف، ليبقى داخل الخيمة، لأنّ قرار الأمويين هو القضاء على آل محمد (ع)، وكان شعارهم [لا تبقوا من أهل هذا البيت باقية]، لذا نراهم قد قتلوا حتى الطفل الرضيع وهو في حجر أبيه الحسين (ع) حينما أخذه ليودّعه وينظر إليه النظرة الأخيرة، فأمر ابن سعد حرملة أن يرميه بسهم، فذبحه من الوريد إلى الوريد، من هنا كان حرص الإمام الحسين (ع) أن لا يخرج الإمام زين العابدين (ع) من الخيمة، وقال الحسين لاخته زينب (ع): امسكيه؛ لكي لا تخلو الأرض من حجة آل محمد . وعندما شعر ابن زياد بوجوده بين الأسرى أراد قتله، لكنّ الحوراء زينب ألقت بنفسها عليه،وقالت لابن زياد: حسبك ما سفكت من دمائنا . وحال بينه وبين الإمام بعض من كان في المجلس، فتراجع عن قراره مغضباً .
إنّ كبير بني أمية [أبو سفيان] أسلم والسيف فوق رقبته، ليلة فتح مكة، إذ جاء به العباس بن عبد المطلب راكباً على بغلة رسول الله (ص)، حتى جاء به إلى النبي (ص)، والتفت أبو سفيان للعباس قائلاً: لقد أضحى ملك ابن أخيك عظيماً . فقال له العباس: ويحك إنّها النبوة . وعرض النبي (ص) على أبي سفيان الإسلام وأن يشهد الشهادتين، فقال أشهد أن لا إله إلاّ الله .وعندما طلب منه أن يشهد أنّ محمداً رسول الله؛ قال أبو سفيان: إنّ في النّفس منها شيء . فالتفت فإذ بالسيف فوق رقبته، فقال مكرهاً: أشهد أنّ محمداً رسول الله . وأخفى حقده وكفره، وتظاهر بالإسلام، لكن مهما أخفى الإنسان أمراً لا بدّ وأن يخرج على فلتات لسانه، وهذا ما حصل لأبي سفيان عندما تولّى الخلافة عثمان بن عفان الأموي، دخل أبو سفيان إلى المجلس وهو يقول: تلقفوها يا بني أمية؛ فوالذي يحلف به أبو سفيان لا من جنّة ولا نار . اعترض عليه عثمان، لكن سبق السيف العذل، وذهب إلى قبر الحمزة وركله وقال: قم يا أبا عمارة؛ إنّ الذي كنّا نتقاتل عليه بالأمس أصبح بين أيدي صبياننا .
وابنه معاوية قاتل ضدّ أمير المؤمنين علي (ع)، وقتل بعضاَ من صحابة رسول الله (ص)، وصدر ما يدل على نفاقه وكفره، يكفي في المقام ما قاله المطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدت مع أبي على معاوية، فكان أبي يتحدث عنده ثم ينصرف إليّ، وهو يذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، وأقبل ذات ليلة، وهو غضبان فأمسك عن العشاء، فانتظرته ساعة، وقد ظننت أنه لشئ حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: مالي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ قال: يابني جئتك من أخبث الناس . فقلت: ما ذاك ؟ قال: خلوت بمعاوية فقلت له : إنك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً، فانك قد كبرت، ولو نظرت الى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شئ تخافه.. فثار معاوية واندفع يقول : هيهات … هيهات؛ ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل عمر، ثم ملك أخونا عثمان، فملك رجلٌ لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل به ما عمل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك إلا دفنا دفنا..
ويزيد ابن معاوية قتل الإمام الحسين (ع)، ووضع رأسه الشريف ينكته بخيزرانه وهو ينشد:
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
ورمى الكعبة بالمنجنيق، ومن بعده الوليد بن عبد الملك الذي نصب القرآن على رمحٍ وصار يرميه بالسهام ويقول:
تهددني بجبارٍ عنيدٍ *** فها أنا ذاك جبارٌ عنيدُ
إذا ما جئتَ ربّك يوم حشرٍ *** فقل يا ربّ مزّقني الوليدُ
لقد أكّدت واقعة عاشوراء أنّ الإسلام كان على حافة الهاوية، ولتؤكّد أنّ النهج الأموي يريد القضاء على الإسلام من خلال قتل ذريّة النبي (ص)، بما فيهم عدل القرآن في زمانه الإمام زين العابدين (ع)، إذ لو تحقّق حلم الأمويين لم يبقَ على وجه الأرض من يعلّم تفسير القرآن وتأويله، قال تعالى ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” حيث أنّ الأئمة هم الراسخون في العلم، ولقامت القيامة، لكن شاء الله أن يصبح الإمام زين العابدين يوم العاشر مريضاً، فحفظ الله سبحانه بحفظه الدين، وبدأ (ع) مسؤوليته لحظة ارتقاء روح الإمام الحسين (ع) شهيداً، فأمر عمّته أن تفرّ هي والنساء والأطفال بوجوههم في البيداء لحظة احتراق الخيام، ونهاها عن أن تنزل عن الناقة لوداع أخيها، وبقي في الظل، وتحمّلت الحوراء (ع) رعاية النساء والأطفال، ولم يلتفت أحدٌ من زبانية بني أمية إليه،إلى حين موقفه في مجلس ابن زياد، وهو يتعرّف على الأسارى، فسأله عن اسمه، فقال: أنا علي بن الحسين . فقال ابن زياد: أليس قد قتل الله عليا؟ فقال (ع): كان لي أخٌ قتله الناس . فقال ابن زياد: بل قتله الله . فقال الإمام: ” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ” هنا بدأ الإمام بتعليم الناس العقائد الحقة، لأنّ بني أمية كانوا يعلّمون الناس ثقافة الجبر وكم الأفواه، وأن لا دخل للإنسان ولا إرادة له، فيما يقول ويفعل، وأنّ كل ما يجري هو بفعل الله وإرادته، ولا يكون إلاّ ما يريده الله سبحانه، فردّ عليه الإمام (ع) بأنّ الله يتوفى الأنفس؛ ولكنّ الله ترك الخيار في العمل إلى الإنسان، ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ” وقوله تعالى ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ” فأراد ابن زياد قتل الإمام (ع)؛ فصاحت به عقيلة الهاشميين: يا ابن زياد؛ حسبك من دمائنا ما سفكت، فإن قتلته فاقتلني معه . فتركه، وبعد أيام عجّل في إرسال موكب السبي والرؤوس إلى الشام خوف الفتنة في الكوفة، وكان الإمام السجاد مقيّداً بالسلاسل، فلما دخلوا على يزيد سمعه الإمام زين العابدين يقول: ونفلق هاماً من رجالٍ أعزّةٍ *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
فردّ عليه الإمام زين العابدين (ع) بقوله تعالى ” مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ” فاستشاط يزيد غضباً وتلا قوله تعالى ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” وأمر خطيباً أن يصعد المنبر وينال من الحسين ومن أهل البيت، ففعل الخطيب ذلك، وأخذ ينال من الحسين (ع) ومن أبيه (ع)، فصاح به الإمام زين العابدين:ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار . فسكت الخطيب وعمّ المجلس الصمت، ونظرات أهل المجلس تحكي عجبهم واستهجانهم جرأة الإمام زين العابدين (ع)، وكيف يتكلّم في مجلس الطاغية يزيد .
ووجّه الإمام كلامه إلى يزيد قائلاً: أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجرٌ وثواب؟ فرفض يزيد، فألحّ الحاضرون متسائلين: ماذا يمكن لهذا العليل أن يقول؟ فلم يجد يزيد بداً فأذن للإمام، بعد أن قال يزيد: والله إن صعد المنبر لا ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة بني أمية . فصد الإمام زين العابدين المنبر، وبدأ خطبته بقوله: أيّها الناس، أُعطينا ستاً، وفُضِّلنا بسبع: أُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضِّلنا بأن منّا النبيّ المختار محمّداً صلى الله عليه وآله ومنّا الصِّدِّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله وأسد الرسول صلى الله عليه وآله ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة . ثم قال (ع): فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ به جبريل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلاّ الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين إلى أن قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول صلى الله عليه وآله، أنا ابن المرمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء”. ولم يزل الإمام يقول: أنا أنا حتى ضجّ الناس بالبكاء، وخشي يزيد من وقوع الفتنة فأوعز يزيد إلى المؤذّن أن يؤذّن ليقطع على الإمام كلامه، فصاح المؤذن “الله أكبر” فالتفت إليه الإمام فقال له: “كبّرت كبيراً لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله”، فلمّا قال المؤذّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله قال الإمام عليه السلام: “شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظمي”، ولمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمداً رسول الله التفت الإمام إلى يزيد فقال له: “يا يزيد! محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنـّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: أنـّه جدّي فلمَ قتلت عترته؟ فخرج يزيد من المجلس يملأه الغضب، بحيث تحوّل احتفاله بالنصر إلى منصّة لإظهار فضل أهل البيت (ع) وفضح جرائم بني أمية، فأمر بوضع أهل البيت (ع) بخربة وأظهر اللوم على ابن زياد، من هنا كانت عملية الأسر فرصة لإظهار الإمام زين العابدين (ع) الهوة التي انحدر إليها حال المسلمين .
في الروايات أن الإمام زين العابدين (ع) خلال تواجده في الشام التقاه المنهال بن عمرو وسأله: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فرمقه الإمام بطرفه وقال له: أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون؛ يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً منها، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمداً منها، وأمسينا أهل بيته مقتولين مشرّدين؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
خاف يزيد الفتنة؛ فأمر بإخراج أهل البيت من الشام ليلاً، وطلب إلى النعمان بن بشير أن يصحب ودائع رسول الله (ص) إلى يثرب، وجعلوا طريق عودتهم إلى كربلاء، وكانت زيارة الأربعين، ولم يطل الإمام زين العابدين (ع) المُقام في كربلاء؛ لما شاهده من شدّة جزع النساء والأطفال على القبور، وأمر بالرحيل مشيراً إلى حال السيدة زينب (ع) التي كانت تنتقل من قبرٍ إلى قبر، قائلاً: أخشى عليها أن تموت . ووصلوا المدينة في الثاني من شهر ربيع الأول، فأمر الإمام (ع) النعمان بن بشير أن يدخل المدينة وينعى الحسين (ع)، وكان المشهد أعظم مأتم شهدته مسيرة السبي، لأنّ الإمام زين العابدين (ع) سعى جاهداً من ساحة كربلاء وفي الكوفة وفي طريقه للشام وفي الشام أن يجذب عواطف الناس ويحيي ضمائرهم، ليعرّفهم ما جرى من ظلمٍ على أهل البيت على يد الطغاة من بني أمية الذين يدّعون الإسلام كذباً وزوراً .
وفي المدينة لم يكن يدع مناسبة إلاّ ويذكر فيها ما أصاب الإمام الحسين (ع)، فعند رؤيته الماء أو الطعام أو سماع صوت مظلوم، أو نداء جائع أو عطشان، حتى وهو في السوق عندما سمع جزّاراً يقول لغلامه: هل سقيت الكبش ماءً قبل ذبحه؟ فيلتفت إليه الإمام قائلاً: أنتم معاشر القصّابين لا تذبحون الكبش حتى تسقوه ماءً . ويتوجّه إلى جهة كربلاء مسلّماً على أبيه قائلاً: الكبش لا يذبح حتى يسقى ماءً وقتلت عطشاناً . فأبكى كل من حضر، وقد كان هو والأئمة يعقدون مجالس العزاء على الإمام الحسين (ع) ويذرفون الدموع، ويحثّون الناس على البكاء للعِبرة، ولم يأمروا بتعذيب أجسادهم – لا باللطم ولا بجرح الرؤوس –، فإنّ هكذا ممارسات طارئة على شعائر المحرّم بعد قرونٍ من عصر الأئمة (ع) . وقد كان كل همّ الإمام أن يعرف الناس مظلومية الإمام الحسين (ع) ويدركوا عظيم شهادته، وأنها كانت في سبيل إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد اتخذ الإمام زين العابدين (ع) من إظهار مظلومية الإمام الحسين (ع) واستشهاده اسلوباً جهادياً هادءاً ضد الظلم والطغيان والجهل، فلم يكن موقف الإمام الحسين (ع) من شخص يزيد فقط بل كان موقفاً ضد كل ظالم وطاغٍ، وكل مفسد، وفي كل زمان ومكان، وأراد للإنسان – أي إنسان – أن يعيش سعيداً وحراً . قال الإمام الحسين (ع): ويحكم؛ إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم . وقال (ع): إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما .
لقد اهتم الإمام زين العابدين (ع) بما حصل في العاشر من محرم لتبقى في ذاكرة المؤمنين والأحرار فلا يضعفوا في مواجهة الظلم ولا يقعدوا عن نصرة الحق . وكان للإمام (ع) مجلس في مسجد رسول الله (ص) يلجأ إليه العلماء وطلاب العلوم لمعرفة أحكام الدين وعقائده وفتح باباً يستنير منه طلاب الحقيقة بعد أن كان بنو أمية قد حاولوا إقفال كل نافذة تنير للأمة طريقها .
وكان يتخذ من الدعاء اسلوباً لبيان الحق والظلم، وترك أثراً مهماً لا يجوز أن يخلو منه بيت مؤمن، وهو الصحيفة السجادية، ورسالة الحقوق، ودعاء مكارم الأخلاق، إلى الكثير من الدروس والمواقف التي تحفظ عقيدة الناس، ولم يكن أحد يزور المدينة إلاّ ويسعى للتشرّف بحضور مجلسه (ع)، وقد كان موئلاً وملاذاً لكل محتاج، حتى أنه حمى عوائل الأمويين ونساءهم عندما ثار أهل المدينة، هكذا هم أهل البيت (ع)، لقد حفظ الإمام زين العابدين (ع) الإمامة وأسّس للأمة من بعده مدرسةً أكمل رعايتها الإمامان الباقر (ع) والصادق (ع)، بحيث قطعوا الطريق على كل مؤامرة تعمل على استئصال العقيدة الحق، وبقيت شهادة الإمام الحسين (ع) مدرسة ومنارةً وموقف حق قضى على بني أمية وحكمهم، وأسقط حكم بني العباس، وسيستمر خط الإمام الحسين (ع) حتى يأذن الله سبحانه بالفرج الأكبر، فتتحقّق حينها الأهداف الكبرى لنهضة الحسين (ع)، ويتم الخلاص من كل ظالم ومفسد، ويعم العدل والسلام، وينعم العالم بنعمة عدالة دين الله سبحانه . ولقد قال المسلمون بجميع طوائفهم بإمامة الإمام زين العابدين (ع)، وتحدّث أئمة المذاهب عن مكانته ودوره، مالك بن أنس يقول: إنّ علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمى زين العابدين لعبادته . والإمام محمد بن ادريس الشافعي قال عنه: هو أفقه أهل المدينة . ويقول الجاحظ: وأما علي بن الحسين ابن علي فلم أر الخارجي في أمره إلا كالشيعي ولم أر الشيعي إلا كالمعتزلي ولم أر المعتزلي إلا كالعامي ولم أر العامي إلا كالخاصي ولم أجد أحدا يتمارى في في تفضيله ويشك في تقديمه. وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: وهو أبو الأئمّة وكنيته أبو الحسن ويلقب بزين العابدين وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله سيد العابدين… والسجاد; وذي الثفنات، والزكي والأمين. وقصيدة الفرزدق لهشام يعرفها القاصي والداني. وبحقٍ كان الإمام زين العابدين (ع) المحيي لتعاليم الإسلام بعد أن أحياه الحسين (ع) بشهادته .
إننا نرى أن السجال القائم بين الدولة وأصحاب المولدات مؤشرٌ على تأجيل الدولة النظر في حل مشكلة الكهرباء ونتسائل: أين وصل البحث في السبل المقترحة منذ عشرات السنوات لتقوية معامل إنتاج الطاقة وإنشاء معامل جديدة.
نتمنى أن تأتي حكومة جديدة تحفظ المال العام وتوقف الهدر والمحسوبيات، لأن ما صُرف على الكهرباء في لبنان يكفي لإنشاء معمل نووي، يكفي حاجة لبنان والمنطقة من الكهرباء.
ونختم مطالبين بإيلاء التعليم الرسمي بكل مراحله الأولوية؛ لتمكين طلاب لبنان من متابعة تحصيلهم العلمي، متمنين من وزارة التربية الإسرع في حل الإشكالات القائمة في العديد من المدارس في مختلف المناطق وذلك لتسهيل انطلاقة العام الدراسي.
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]تصوير:رامي أمين