إذا كانت “عدادات” الموّلدات وصهاريج المياه والاتصالات والتبضع من دكان الحيّ الجليس الثالث بين كلّ لبنانيين يجتمعان حول فنجان قهوة أو “راس أرجيلة”، فإن قضية الشقق السكنية والقروض التي توقفت مؤخراً باتت ترافق المواطنين في كل لحظة ومكان وصولاً إلى الوسادة التي لم تعد تبعث بالنعاس في حضرة دولة غائبة عن الوعي، أو في أفضل الأحوال منهكة! والحال أنّ شريحة عظمى من اللبنانيين، وبخاصة الشباب منهم، صارت تعيش حلم وهاجس شراء شقة كحق بديهي وجزء طبيعي من مشروع صوغ مستقبل مستقر وتأسيس عائلة، وعبثاً يتحقق الحلم أو يتبدد الهاجس. لماذا؟ وما هو واقع سوق العقارات راهناً؟ ما هي التوقعات للمستقبل القريب؟ وهل ستعود قروض الإسكان، وما الحلول في حال ظلّت غائبة؟
“بقعة ضوء” بعد أزمة “الإسكان”: شقة بـ3 وانخفاض الأسعار قد يصل الى 65%!
موقع أميركي يكشف أسعار الشقق ويفصّل تكلفة المعيشة بلبنان بالأرقام: هذا ما عليكم دفعه
يشرح الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الإستثمارية جهاد الحكيّم أن “أزمة العقارات بدأت في لبنان منذ سنوات، وانهيار الأسعار حصل بشكل تدريجي”. لكنّ كل ذلك كان يحصل وسط تعتيم ممنهج ومقصود وإصرار على دعم القطاع العقاري أياً يكن الثمن. أمرٌ فاقم الأزمة بحسب الحكيّم الذي يصرّ في المقابل على أنّ انخفاض أسعار العقارات يبقى إيجابياً رغم كل ما يحصل. فماذا في التفاصيل؟!
الانخفاض واضح ويتفشى!
حالياً، انخفضت أسعار الشقق في بيروت حوالى 40% مقارنة مع ما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية. يقول الحكيّم في حديث لـ “لبنان24″:” المصارف تقوم بتسعير الشقق راهناً بسعر يقلّ عن 40% عن السابق، لكن برأيي، فإن الانخفاض كمعدل وسطي، لامس حدود الـ 45% (في بيروت)، حتى أنّ هنالك عروضاً تصل إلى 50% أقلّ في حال حسن التفاوض”.
ويشرح الحكيّم أنّه وفق علم الاقتصاد، يكون السعر الأقلّ هو سعر السوق الحقيقي وبالتالي فإن إصرار بعض المطورين العقاريين على إبقاء السعر ثابتاً لا يعكس،عملياً، الواقع.
أما بالنسبة إلى المناطق اللبنانية الأخرى، فيتراوح انخفاض أسعار الشقق بين 30 و40% وهو مرجح للتصاعد (هناك فترة زمنية بين ارتفاع الأسعار أو انخفاضها في بيروت والمناطق الاخرى تتراوح من سنة إلى سنة ونصف)، بحسب الحكيّم الذي يلفت إلى أنّ الانخفاض لا يشمل الشقق السكنية وحسب، بل أيضاً إيجارات المؤسسات والمطاعم والمقاهي وهو ما يخفف من كلفتها التشغيلية ويزيد من ربحيتها.
وبالحديث عن الأسباب، يبرز أولاً وبشكل رئيس عامل النفط! بحسب الحكيّم بلغ معدل سعر برميل النفط البرنت في العام 2014 97 دولاراً فيما انخفض ليصل إلى 54,5 دولاراً في العام 2015 وصولاً إلى 46 دولاراً في العام 2016 وهو السعر الأكثر انخفاضاً في الأعوام الخمسة الماضية. وبحسب دراسة أعدّها يقول الحكيّم إن هنالك فارق عشرين شهراً بين انخفاض سعر النفط وانعكاسه على تحويلات المغتربين وودائع المقيمين وتالياً على السوق العقاري. والحال أنّ القطاع العقاري في لبنان بدأ يتأثر “سلباً” وبشكل ملحوظ بعد تشرين الأول من العام 2017 فيما يتوقع، وفق معادلة “العشرين شهراً” أن ينعكس انخفاض سعر النفط في العام 2016 على العقارات في لبنان بدءاً من تشرين الأول 2018 (وهذا ما حصل)، على أن “يكون العام 2019 الأصعب” وفق الحكيّم.
هل نحن إذاً في نهاية النفق المظلم الذي يعيش فيه اللبنانيون وبخاصة فئة الشباب منهم؟!