Home / أخبار صور / خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي

خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ علي ياسين العاملي

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”
منذ أن أنزل الله سبحانه آدم إلى الأرض؛ أمره – وذريّته – بإعمار الأرض، والسعي فيها، وبيّن لهم المنهاج الذي يطبّقونه على أفعالهم وأقوالهم وعلاقاتهم فيما بينهم، وكان أوّل المخالفين لأوامر الله سبحانه قابيل؛ إذ قتل أخاه هابيل حسداً؛ لأنّ الله تقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربان قابيل، وبعد تكاثر بني آدم وابتعادهم عن عهد أبيهم آدم؛ تركوا عبادة الله سبحانه وعبدوا الأوثان، فأرسل الله سبحانه لهم نبيّه نوح (ع) يدعوهم لعبادة الله الواحد الأحد، ولبث فيهم تسعماية وخمسون عاماً، يدعوهم لعبادة الله سبحانه، لكنّهم أصرّوا على الكفر؛ فأمر نبيّه نوح أن يصنع سفينة، ويحمل فيها مما على الأرض من البشر المؤمنين، والبهائم ومن كل شيءٍ زوجين اثنين، فمن ركب السفينة نجا، ومن تخلّف غرق وهلك، حتى ابن نبي الله نوح (ع)، وبعدها تكاثرت البشرية ممن نجو، وبذلك اعتبر نبي الله نوح الأب الثاني للبشرية، حيث كان الحفيد التاسع أو العاشر لآدم.
وبعدها بعث الله أنبياء ورسلاً يدعون الناس لعبادة الله سبحانه، والالتزام بمحاسن الأخلاق، والتحلّي بصفات الخير والجمال الروحي، ولقد جسّد الأنبياء الإنسانية بكل أصنافها، واستمروا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، مع خلُقٍ رفيع، وإيثار للآخرين، يعملون على نشر الحب والسلام، دعوا الناس لما فيه خيرهم وخلاصهم وفلاحهم، وما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فلم يتبعهم إلاّ قليل من البشر، أما الأكثرية فغرّتهم الدنيا، وملأ حبّها قلوبهم؛ فأعمتهم عن الحق، إلى أن ختم الله سبحانه عهد الأنبياء والرسل برسالة المصطفى محمد (ص)، الذي استجاب به الله دعاء نبيّه إبراهيم (ع) حينما بنى الكعبة فقال ” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “، وهو بشارة نبي الله عيسى (ع) ” وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ “، وقد ورد في الحديث عن أبي أمامة أنه قال: قلتُ يا نبي الله ما كان بدءُ أمرك؟ قال (ص): دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم .
فهو (ص) خاتم الأنبياء؛ فلا نبي بعده، أنزل الله عليه القرآن ليكون شريعة للناس ومنهاجاً، وبلّغ رسول الله (ص) عن ربّه أفضل تبليغ، فتحمّل الكثير من الأذى، حتى قال (ص): ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت . وصبر ونشر الخير والمحبّة، وغيّر واقع الحياة الأليم، إذ كان العرب قبائل متقاتلة، القويّة منها تتحكم بما دونها، والغني بالفقير، مجتمع قائم على الاستبداد والظلم، لا قيمة فيه للأنثى، لدرجة أنّ كثيرين منهم كان إذا رُزق بأنثى دفنها حيّة، وقد تحدّث القرآن عن ذلك فقال سبحانه ” وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ “، وأخبر عنهم القرآن بقوله ” وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ “، وكانوا يعبدون أصناماً نصبوها في الكعبة التي بناها خليل الرحمن، ليُعبد فيها الله وحده .
صدّق (ص) كلّ الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله سبحانه، ودعا إلى توحيد الله سبحانه، ولم يُقابل إساءة قومه بالإساءة، ولا شتائمهم بالشتيمة، بل كان يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون أني نبي . وعندما مكّنه الله منهم قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء . آمن به المستضعفون في مكة، وبعض بني هاشم، وأفراد آخرون، حتى فاق الخلائق بمحاسن أخلاقه، ومدحه الله بقوله ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ “، وأمر المسلمين باتباعه والتأسي به ” لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ “، دعا إلى عبادة الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبر أحداً على الإسلام، ولم يُعلن حرباً على أحدٍ إلاّ دفاعاً عن النفس والدّين، وتعامل مع اليهود والنصارى كما أمره الله سبحانه ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” .
انتشل الناس من واقعٍ مزرٍ، فألغى الطبقية والقوميات، قائلاً: الناس كلّهم من آدم، وآدم من تراب . وبلّغهم قول الله سبحانه ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “، فأبدل أخوّة النسب بأخوّة الإسلام، فصار سلمان من أهل البيت (ع)، وصار سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي أخوة في دين الله، على قاعدة قوله سبحانه ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “، والتزاماً بقول رسول الله (ص): أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله . وقوله (ص): لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحب لنفسه . وأما عم النبي (ص) فقد هجاه القرآن ” تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ” .
فالإسلام نظّم علاقات الإنسان مع ربّه سبحانه، ومع المجتمع، ومع الدولة، وفي العائلة، فبيّن حقوق الوالدين وحقوق الأولاد والزوج والزوجة والجيران وغيرهم، فلو التزم المسلمون بها لما تراجعوا بعد الانتصارات التي كانت أيام رسول الله (ص)، ولحكموا العالم، ولقد ضمن الإسلام حقوق الأديان الأخرى، فقال تعالى ” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ “، وأمر المسلمين ببرّ من خالفهم، فقال سبحانه ” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ “، كما أمر النبي (ص) بالمحافظة على أهل الذمة، وعدم التعدّي عليهم، فقال (ص): ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه حقه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة . كذلك أمر رسول الله (ص) بعدم التعرّض للمستضعفين من غير المسلمين، قال (ص): لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم، فيتقوكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم، فيصالحونكم على صلح، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك، فإنه لا يصلح لكم . وورد عن النبي (ص): إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب الا بأذنهم، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم. وورد عنه (ص) قوله: من ظلم معاهداً أو كلّفه فوق طاقته؛ فأنا خصمه يوم القيامة .
ذكر البلاذري في فتوح البلدان: كتب نصارى حمص إلى أبي عبيدة الجراح: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم . ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم .ثم أغلقوا أبواب المدينة في وجه الروم إخوانهم في العقيدة، وذلك لما أدركوه من عدالة الإسلام، وأنه دين الإنسانية، الإمام علي (ع) في عهده لمالك الأشتر – حينما عيّنه والياً على مصر – قال له (ع) يوصيه بالناس: ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ .وروى أبو يوسف في الخراج؛ كتب علي بن أبي طالب (ع) إلى عمّاله على الخراج: فخذهم بما آمرك به ، فإن خالفتني فأخذك الله به دوني ، وإن بلغني خلاف ما أمرتك عزلتك . إذا قدمت عليهم ، فلا تبيعن لهم كسوة شتاء في شتاء ، ولا كسوة صيف في صيف ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تقيمن منهم أحدا على رجليه ، ولا تضربنه سوطا ” في درهم ، [ إنما أمرنا ] أن نأخذ منهم العفو .
لقد عاش اليهود والنصارى في ظل الإسلام وفي عهد رسول الله (ص) والخلفاء يمارسون طقوسهم بحريّة، وكان الفقراء منهم تصلهم صدقات المسلمين، وكان النبي (ص) يزور مرضاهم، ويوصي بهم ما داموا يحافظون على السلامة العامة، ولا يتآمرون على المسلمين، وفي السيرة أنّ النبي (ص) اقترض مالاً من يهودي، فجاء اليهودي يطلب ماله يوماً، فاعتذر النبي (ص) بعدم تيسر المال عنده، فقال له اليهودي: إذن لا أفارقك . فجلس النبي (ص) ومن معه من المسلمين واليهودي جالس، اعترض بعض المسلمين وقال: يهودي ويحبسك يا رسول الله ؟! وأرادوا ردع اليهودي فمنعهم النبي (ص)، عندها قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك يا محمد رسول الله، وهذه أخلاق الأنبياء، وما فعلت هذا إلاّ لأختبرك .
في السيرة؛ ضاع درع لأمير المؤمنين (ع)، بعد فترة وجدها عند رجل مسيحي من العرب، فأخذه إلى القاضي شريح، فرفض أمير المؤمنين (ع) الجلوس على يمين القاضي، بل وقف هو والمسيحي أمام القاضي الذي سأل علياً (ع) عن بيّنته على أنّ الدرع درعه؟ فضحك أمير المؤمنين (ع) وقال: صدق شريح، ليس لي بيّنة . فأخذ المسيحي الدرع ومشى ومشى الإمام علي (ع) ينظر إليه، لكن الرجل خطى خطوات وعاد فقال: أما أنا فأشهد أنّ هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضي يقضي عليه! ثم قال: الدرع درعك، وقد كنتُ كاذباً فيما ادعيت . وصار من المحبّين المخلصين لأمير المؤمنين (ع)، لأنه عاش عدل علي (ع) وعدل الإسلام، إذ رأى الحاكم يقف معه أمام ميزان العدل .
وفي السيرة أنّ رسول الله (ص) رأى شخصاً يستعطي، فعجب وقال: فقيرٌ في دار المسلمين؟! فقالوا له: يهودي يا رسول الله . فقال (ص): استعملتموه وهو شاب، وعندما شاب تركتموه! اعطوه من بيت مال المسلمين .
الإسلام دعا إلى التسامح والعفو والمحبّة والبر، وشرّع قواعد تحفظ السلم الاجتماعي، لأنّ الإسلام دين سلام، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، وأما الجماعات التي خرجت تمارس القتل والإرهاب فهم صنيعة أعداء الإسلام، لتفريق المسلمين وإضعافهم، وإعطاء صورة بشعة عن الإسلام المحمدي الأصيل الذي هو بريء من كل أولئك المنفذون للمشروع الصهيو أمريكي، لكن الله سيظهر دينه ولو كره الكافرون.
[وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى ُمحمّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ]

Check Also

فرصة عمل في صور

Job Location: Tyre, Lebanon Company Industry: Insurance Job Role: Accounting Employment Type: Full Time Employee …

Open chat
أهلاً وسهلاً بكم