ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح
حين حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت وطرح فكرة حكومة وحدة وطنية خلال “لقاء الأقطاب” في قصر الصنوبر، فرض على أكثرية الافرقاء إعادة قراءة أوراق المرحلة من زاوية أخرى. حزب الله مثلاً الذي تشاور ممثلاً برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مع ماكرون “على الواقف” ولمدة ناهزت الـ١٠ دقائق، صنّف من بين أكثر القوى راحة خلال زيارة الرئيس الفرنسي، لا بل جاءت ردة فعله مرحّبة بالزيارة وقد خصّها بإيجابية لافتة حين تولى أمينه العام السيد حسن نصرالله تظهير موقف الحزب الرسمي من الزيارة. في المقابل ساد الوجوم على وجوه الآخرين من فروع الرابع عشر من آذار. هؤلاء لم يكونوا مسرورين أبداً بالمكانة التي خصّها الضيف لحزب يتهمونه بالتسبّب بكوارث عديدة ليس آخرها “إنفجار المرفأ”.
بعد هذه المشهدية، بدأ “التضعضع” يتسلّل إلى الحكومة. ترجم ذلك من خلال إستقالات علنية وأخرى مكتومة تنتظر ساعتها واثارة طبعت ردات فعل رئيسها حسان دياب. يقال هنا ان ثمة تفاهم ما حول استبدال الحكومة بأخرى ذات جينات وحدة وطنية، تلقف اشارتها أكثر من طرف داخل السراي وبدأ في مسعى إنقاذ نفسه من المركب. حزب الله اصلاً لم يكن مرة ضد نظرية “حكومة الوحدة” والرئيس نبيه بري يشاركه نظرته، وهو طلب مراراً من الرئيس سعد الحريري العودة إلى لعب هذا الدور لكن الأخير وبصفته مرشحاً لا شريك له، تردّد وتدلّل من مقام العارف بموقعه، بعدما احتلت رأسه فكرة خسارة ما تبقى لديه من اوراق اقليمية.
الآن، وبعد الدخول الفرنسي على الخط بدعم أميركي، هل سيعيد الحريري حساباته وإستطراداً هل سيتراجع حزب الله تكتيكياً؟
ثمة من يقول ان رئيس الحكومة حسان دياب قد استوعب الرسائل، لذلك مضى في اتجاه التسابق مع حلفائه داخل الحكومة. ترتيبات تاريخ ما بعد الانفجار تختلف عمّا قبله. سريعاً رمى مبادرة على طاولة مجلس الوزراء عنوانها “درس إمكانية الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة” من خارج التفاهم مع الحلفاء الدين استهجنوا طرحاً من هذا الصنف من دون العودة اليهم. دياب بحكم العارف ان هذه الفكرة تستفز الحلفاء قبل الخصوم لكونهم يعتقدون ان طرحاً مماثلاً تستبطنه دعوة لانتزاع الأكثرية، اي تجريدهم سياسياً من مصادر قوتهم على أبواب عواصف إقليمية مقبلة. السؤال: هل كانت مدركاً ما يفعل؟ ثم ان الطرح يتزامن وقدوم المبعوث الأميركي ديفيد هيل، فهل أن دياب أراد أن يلعب “صولد” مع الحلفاء بعدما فهم أن المناخ السياسي في وارد التغير وقد يصنفه من ضمن الخاسرين سياسياً، فقرر استباق الأمور حفاظاً على حد أدنى من موقع واستلحاق نفسه بإنجاز “مقبول دولياً وشعبياً” أم أنه يصرّف أجواء سياسية نابعة من الفريق الذي سمّاه؟
هناك من يعتب على رئيس الحكومة الذي أدارَ أذنه الطرشاء مدة طويلة من الزمن، فلم يسمع لفريقه أو أصدقائه والمقربين منه، واستمر بالاتكال على مجموعة وزراء أثبتت الوقائع على الارض أنهم لم يكونوا اهلاً للثقة بل من عداد الفاشلين. في الحقيقة، هؤلاء، ومنهم من حصل على امتيازات دون غيره، هم الذين يورّطون الرئيس دياب وقد يدفعونه إلى تبني وجهات نظر سياسية لا يؤمن بها، بلدفي الحقيقة دفعوه نحو استقالة لا يريدها من خلال فرضها عليه.
في المقابل، يمارس بعض النواب لعبة الرهان على أجواء سياسية قد يفرضها الخارج مرة اخرى، لذلك يندفعون بـالجملة إلى تقديم استقالات على الورقة لن تعفيهم من ادوارهم السياسية التي باتت واضحة، بل سيسعون من خلالها إلى رفد محاصيلهم السياسية بمزيد من التأييد الشعبي.
هؤلاء كما معظم النواب يدركون أن الاستقالات لن تكون عامة، أي بمعنى أنها لن تشمل أكثرية لها قدرة على تحويل المجلس إلى مستقيل، بمعنى آخر، لن تؤدي إلى انزلاق البلاد نحو فرض إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، كما أنهم يعلمون سلفاً أن دعوة الرئيس دياب إلى “انتخابات مبكرة” ثمة استحالة في تحويلها إلى أمر واقع نتيجة رفض الأكثرية المطلق لهذا المنطق الذي تصنفه من ضمن “الأدوات المعادية”، لذلك قرروا على ما يبدو التوجّه إلى بلورة مشهد جديد يؤسّس إلى فرض ما يشبه “ميني إنتخابات مبكرة” عبر تسليط الاستقالات في إتجاه محدد، أي إستقالة كمية من النواب المسيحيين بما يدفع إلى الدعوة إلى إنتخابات فرعية تكون لها الصفة العامة ضمن الدوائر المسيحية حصراً، هذا بالضبط ما أشار إليه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
وفيما لو تحقق هذا الهدف، ويبدو أننا نسير في هذا الاتجاه في ظل إستقالة ٦ نواب مسيحيين حتى الآن ووضع آخر لنفسه خارج الخدمة، يُصبح الرئيس نبيه بري محكوماً في تلاوة هذه الاستقالات في أول جلسة عامة لتصبح ناجزة واستطراداً يحكم وزارة الداخلية في دعوة الهيئة الناخبة إلى إنتخابات فرعية، ويبدو أيضاً أننا نسير في هذا الاتجاه مع دعوته مكتب المجلس إلى الاجتماع والتي سيكون على محضرها درس هذه الاستقالات.
ليس صعباً أن نستخلص أن ثمة مجموعة أهداف يُراد تحقيقها من وراء الدفع صوب إجراء “ميني إنتخابات نيابية مبكرة” في الدوائر المسيحية، على رأسها طرح الشرعية الشعبية بالتيار الوطني الحر. هذا الأخير سيكون محكومٌ في حال الدعوة إلى “إنتخابات فرعية ميني مبكرة” بدخولها بمرشحين حفاظاً على موقعه وإستطراداً موقع رئاسة الجمهورية الذي ستكون مهدداً إن لم نقل أن واحدة من أهداف هذه الدعوة هي وإفقادها بدورها الشرعية الشعبية وتظهير أن العهد لم يعد مغطى من قبل الشريحة المسيحية. هناك أهداف أخرى لا يمكن تجاوزها ايضاً، وهي المأسسة إلى إفقاد الاكثرية النيابية الحاكمة الآن قدراتها وإن ليس بالتمثيل لكن في الارقام.
في الخلاصة، إننا مقبلون على مواجهة سياسية عاصفة…